باراك أوباما الأب.. الذي أعرفه

TT

أشك في أنني أحد الأميركيين القلائل الأحياء، الذين يعرفون والد الرئيس أوباما والذين يتمتعون بنفس قدراته، لكني لم أرَ شيئا من الرجل الذي أعرفه في ما كتبه دينش ديسوزا في مقاله «أحلام من والده».

تخرج باراك أوباما الأب في قسم الاقتصاد في جامعة هارفارد، في الوقت الذي كنت أعمل فيه في الحكومة كطالب في مرحلة الدكتوراه، وكان يحضر الكثير من الصفوف التي تحضرها زوجتي (التي كانت تدرس في قسم الاقتصاد في حينها)، وقد عرفناه عن قرب. ولا يمكنني الزعم أنني كنت صديقا مقربا من أوباما، لكن نشأت بيننا ألفة اجتماعية كانت كافية لدعوته إلى حفل زفافنا في مدينة نيويورك عام 1964، وأعطيناه رقم هاتف والدي زوجتي في مانهاتن للاتصال بهما حال تعثره في العثور على مكان لإقامته.

وكما اتضح في ما بعد، لم يتمكن من الحضور إلى حفل الزفاف، لكنه اتصل بزوجتي في شقة والديها الساعة الثالثة صباحا يوم الزفاف، وقال إنها عادة كينية. كان الرجل يحتفظ بروح عالية من الفكاهة، ربما ساعده في ذلك قليل من الشراب. وبالحكم عليه من خلال الأوقات التي كنا نتناول فيها الجعة في أحد مهاجع الطلاب في كامبردج، لا يمكنني القول إنه لم يكن مسلما ممتنعا عن الشراب.

كان الرجل يميل إلى التفكير الغربي، ذو ميول يسارية معتدلة، لكنه أشبه كثيرا بهندي أو باكستاني أو طلبة العالم الثالث التبادليين الذين درسوا التنمية الاقتصادية. كان أوباما مرحا يحب الدعابة كثيرا، ولديه هبات مصطنعة، عادة ما يظهرها بصوت خفيض.

على الرغم من ذلك، كان الرجل جادا (وحتى وإن كان من الصعب معرفة ما إذا كان يمزح أم جادا)، ويحب الخصوصية وأحيانا غامضا بالنسبة لزملائه. كان يختفي في بعض الأوقات، ربما بسبب الزمالة، ثم يعاود الظهور بروح مرحة ويعطي الانطباع بأنه أنجز مهمة ما. كان معروفا أنه مقرب من الزعيم الكيني البارز توم إمبويا، الذي اعتقد الكثيرون أنه سيكون صديقا جيدا للغرب. وبعض أصدقائه في قسم الاقتصاد اعتقدوا أن أوباما الأب في مهمة ما لإمبويا، لكن أحدا لا يعرف طبيعة المهمة.

أسهب ديسوزا، مستشهدا بإحدى مقالات أوباما الأب عام 1965، في دعم مزاعمه بشأن مناهضته للاستعمار. وربما كانت النقطة الأشد أثرا، بحسب ديسوزا، إشارة أوباما الأب إلى سيطرة الهند والصين (والأوروبيين) على الاقتصاد الكيني. أنا أعلم من محاضرات التنمية الاقتصادية الكثيرة التي تلقيتها في تلك الفترة أن الدور الاشتراكي الصيني في اقتصادات العالم الثالث في أفريقيا وآسيا خضع لنقاشات واسعة وتم الاعتراف به كمشكلة. وقياسا إلى المناخ السياسي اليوم قد تبدو خطب أوباما الأب من ذلك النوع المعادي للغرب.

والقراءة المتأنية لكتاب: «أحلام من والدي»، لا تدعم مزاعم ديسوزا بأن الرئيس ورث راديكاليته السياسية من والده. الأكثر من ذلك الصفحاتُ التي تشير إلى الوالد كرجل عقلاني ومدافع عن الحداثة في مواجهة القبلية والفساد وكواحد من الذين نُبِذوا ظلما من قبل الرئيس الكيني جومو كنياتا على معارضة سياساته الفاسدة وسياسات النظام القبلي. وصف أوباما نفسه بأنه رجل أسود لا علاقة له بوالده، بل من عملية أكثر غموضا تشكلت على الأرجح في سنوات مراهقته أو ربما بعد ذلك بقليل.

في كتاب «أحلام من والدي»، لا يبدو أن أوباما اكتسب هويته السوداء من الغضب أو الإحساس العميق بالظلم الاجتماعي أو التعرض للإهانة، بل هي أكثر عقلانية وتجذرا في نظرة براغماتية توجب على المرء الاختيار إما أن يكون أسود أو أبيض، ونظرا لأنه ليس أبيض فكان عليه أن يختار لونه الأسود - وفي الوقت ذاته إدراكه أنه يتمتع بمكانة خاصة كجسر بين الأعراق، ويتمتع بالقدرة على التوفيق بين الاتجاهات المختلفة.

من المؤكد أن هذا المنحى المنفصل والعقلاني إلى حد بعيد مصدر لكل مناصري أوباما وغضب منتقديه. نحن نتوقع من سياسيينا أن يتحلوا ببعض الوسطية، ويمكننا أن نغفر الكثير إذا شعرنا بالثقة بمعرفتنا بما يمثلونه. الرئيس أوباما سياسي يميل إلى تغيير اتجاهه مع الرياح السياسية خلال سعيه لإرضاء أحد جوانب تحالفه ثم يتجه إلى الآخر، وهذا الأمر غالبا ما يُغضب منه الجميع.

لم تكن صفة معاداة الاستعمار من بين صفات الرجل، وربما يتوافر للكثير من المحافظين الكثير من الأسباب لمعارضة وانتقاد الرئيس، لكن الرسوم الكاريكاتورية مثل التي طرحها ديسوزا لا تسهم في هذا الحوار السياسي.

* أستاذ متقاعد في معهد بروكينغز

* خدمة «واشنطن بوست»