أبشروا يا غلاة التطرف!

TT

«تعلمت أن دولة إسرائيل في جيلنا الحاضر لا يمكن أن تحكم من دون خداع أو مجازفات»

(موشيه شاريت)

باختصار شديد، وكلمات قليلة لا تخرج عن «خيبة الأمل»، عبر فيليب كراولي، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، عن موقف واشنطن من الطعنة الأحدث التي وجهتها إسرائيل إلى مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، بإعلانها فتح مناقصة لبناء وحدات استيطانية جديدة في القدس الشرقية.

«خيبة أمل» بليغة جدا.. أولا من القوة العظمى الوحيدة في العالم، وثانيا من الوسيط الوحيد والراعي الفعلي الأساسي لأطول الأزمات العالمية المسلحة عمرا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل هي إحدى أخطر الأزمات العالمية من حيث التداعيات والامتدادات، لأنها تقوم على التبرير الديني للاحتلال والتطهير العرقي وإنكار حقوق الإنسان وتجاهل قرارات الشرعية الدولية.

منذ 1948، بعد عدة حروب لم يسمح رعاة إسرائيل وحماتها بخسارتها أيا منها، تحول ما كان حلما مثاليا إلى ترسانة عنصرية لا تتحاور مع محيطها إلا بعرض العضلات والقهر، وظل مبرر «الدفاع عن وجود إسرائيل» هو الشعار الكاذب الذي يغطي حقيقتها. واليوم، تتجلى هذه الحقيقة بصورة يستحيل تجاهلها، فنحن هنا أمام وضع يبدي فيه الضحية استعداده للحوار.. بينما يتهرب منه الجلاد، وينسف متعمدا أي فرصة تتيح أي حوار.

اليوم، أفيغدور ليبرمان مجرد واجهة وقحة لفكر استعماري وعنصري حتى في بعض تجليات اعتداله. وربما لو كنا نعيش في عصر آخر لكانت ظاهرة ليبرمان تطورا مفرحا.. لأنه لفرط وقاحته يفضح ما سترته طويلا الدبلوماسية المهذبة، لكننا اليوم نعيش وجوها متعددة لظواهر من هذا النوع.

في الولايات المتحدة، مثلا، حيث توجد آلاف الجامعات والمعاهد العليا ومراكز الأبحاث، وتتجاوز وقفيات بعضها ميزانيات دول، تطل ظاهرة «ليبرمانية»، هي تيار «حفلة الشاي»، الموغل في رجعيته وعدوانيته، لتهيمن على الحزب الجمهوري، «حزب أبراهام لنكولن»، وقد تربح الانتخابات النصفية بعد أسبوعين.

وفي المقابل، لننظر إلى حال العالم الإسلامي.. أليست الصورة كارثية؟! هل هناك ما هو أسوأ من الاستقطاب العنيف بين عجز المعتدلين وجموح المتطرفين.. وشك العالم كله في الجانبين معا؟! هل هناك جالية إسلامية في أي مكان من أوروبا وأميركا اليوم في مأمن من الاتهام بالإرهاب والانغلاق - وأحيانا «خيانة» الوطن الملاذ - مع المخاطر الهائلة التي سيشكلها هذا الوضع لجيل الشباب المسلم خلال سنوات معدودات؟!

بالأمس، سمع الإسرائيليون، والأميركيون أيضا، خطب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في لبنان. ولا شك في أن «الكلام» الذي قاله الرجل صحيح، والأوصاف التي أطلقها على إسرائيل وأسلوب تعامل الغرب مع القضية الفلسطينية أوصاف غير بعيدة عن الواقع.

لكن المشكلة أن هذا هو الكلام الذي تريد إسرائيل، وبعض الدوائر في واشنطن، إبرازه وترويجه، ومن ثم استغلاله.

وحقا، بعد لأزمة الاستنكارات وإبداء الضيق، بادر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى «طمأنة» شعبه إلى أن إسرائيل أقوى من أن تخيفها إيران، وأن الرد عليها يكون بمواصلتها البناء العسكري والاستيطاني التوسعي. وقبل أن تنتهي ترددات خطب أحمدي نجاد، والهتافات التي استقبلتها، جاء إعلان حكومة نتنياهو - ليبرمان طرح مناقصة لبناء 238 وحدة سكنية جديدة في حيي راموت وبسغات زئيف الاستعماريين في القدس الشرقية. وهذه خطوة تأتي بعيد مطالبة السلطة الفلسطينية الولايات المتحدة و«الاتحاد الأوروبي» بالاعتراف بدولة فلسطينية بحدود 4 يونيو (حزيران) 1967. كما أنها أول مناقصة من نوعها منذ انتهاء فترة تجميد الاستيطان في الضفة الغربية يوم 26 سبتمبر (أيلول)، وكانت امتدت لعشرة أشهر.

حتى يوليو (تموز) من العام الماضي كانت مستوطنات الضفة الغربية تضم نحو 305 آلاف مستوطن، يضاف إليهم نحو 192 ألف مستوطن في القدس الشرقية وأكثر من 20 ألفا في مرتفعات الجولان السورية المحتلة. ووفق الأمم المتحدة والقانون الدولي، فإن وجود هؤلاء - حيث هم - وجود غير شرعي، لأنهم يعيشون في مناطق «محتلة». ولكن مع هذا، تبدو واشنطن، في عهد إدارة ادعت لنفسها الشجاعة والنقاء والضمير الحي، عاجزة عن الإعراب عن أكثر من «خيبة الأمل» إزاء نهب مزيد من الأرض، وتيئيس الأبرياء، ونسف لصدقية ساسة يسعون إلى السلام.. وذلك ليتجمع أكبر عدد ممكن من الأوراق في أيدي المتطرفين، اليهود والمسلمين والمسيحيين!