المالكي.. عرفنا الثمن!

TT

ليس سرا الدعم الإيراني لنوري المالكي من أجل ضمان بقائه كرئيس وزراء للعراق للمرة الثانية. لكن السر، الذي يبدو أنه انفضح اليوم، هو ثمن الدعم الإيراني للمالكي، الذي أعلن في زيارته لطهران يوم أمس دعوته للإيرانيين لإعادة إعمار العراق، وهذه بحد ذاتها تعتبر انقلابا حقيقيا في مجهودات ضمان سلامة العراق، ووحدة أراضيه واستقلاله عن أي تبعية في المنطقة، سواء للغرب أو العرب، أو إيران بالطبع.

فدعوة المالكي لطهران تعتبر بمثابة الضوء الأخضر الرسمي للتدخل الإيراني في العراق، ليس سياسيا وحسب؛ بل أمنيا، واقتصاديا، وإعلاميا، وثقافيا وخلافه. وذلك يعني أنه بات لدى إيران في لبنان حزب الله، المسيطر على الدولة بفضل السلاح، واليوم بات لدى طهران أيضا دولة كاملة تحت تصرفها وهي العراق.

وهذا الأمر في حد ذاته يمكن وصفه بالتحرك الإيراني الثاني في العراق؛ فالأول كان مع سقوط النظام، حيث باشرت طهران زرع رجالها ومسلحيها، وتسخير أموالها لذلك، من أجل الاستثمار في عراق ما بعد صدام، والتحرك الثاني يأتي اليوم مع الانسحاب الأميركي من أجل استثمار ما زرعه الإيرانيون بعد سقوط النظام العراقي.

يقول لي مصدر أميركي مطلع على دوائر صنع القرار في واشنطن إن دعوة نوري المالكي للإيرانيين لإعادة إعمار العراق «تتعارض مع السياسات الخارجية لأميركا حيال الملف العراقي، وحدود التعاطي الإيراني معه». وبالطبع هذه ليست الصفعة الأولى التي يسددها نوري المالكي لواشنطن، فالصفعة الأولى كانت بإعلان التحالف مع مقتدى الصدر، ومن خلال ضغط إيراني، وهو ما وتّر الأميركيين. وهنا يقول مصدري الأميركي: «أتمنى أن تكون دعوة المالكي لإيران من أجل إعادة الإعمار بمثابة جرس إنذار عسى أن يفيق البعض في واشنطن لما يحدث في العراق، ويعوا حقيقة نوري المالكي نفسه».

وهذا أميركيا، أما عربيا، فقد بات السؤال ملحا الآن، وتحديدا، حول ما الذي تستطيع سورية، مثلا، تقديمه، خصوصا بعد مطالبة علاوي لها بالتدخل، حيث لم تحقق شيئا إلى الآن، بل ها هي إيران تمضي بعيدا في تشكيل الحكومة العراقية حيث بارك خامنئي للمالكي جهوده، بل وطالبه بالإسراع بتشكيل الحكومة. فمن يقرأ ما قاله المرشد الأعلى الإيراني يخيل إليه أنه يقرأ بيانا منسوبا للسيستاني.

وكل ذلك قد يفسر لنا لماذا قامت دمشق باستقبال المالكي بعد قطيعة عام، ومن دون إملاءات أو ضغوط مثل ما يحدث عادة مع خصوم دمشق في لبنان عندما يبدأون مشوار التصالح مع سورية. فالسؤال اليوم هو: هل وافقت دمشق؟ أم إن هذا هو مقدار ما تستطيع تقديمه في الملف العراقي؟ والأمر نفسه ينطبق على دول الخليج وعلى رأسها السعودية، فإذا كانت طهران تسبب كل هذا الإزعاج من خلال نفوذها في لبنان، فكيف سيكون الحال بعد سيطرتها على العراق؟

وعليه، فإذا كنا قد علمنا اليوم ثمن دعم الإيرانيين للمالكي، فيبدو أن الدول العربية، والغرب، وتحديدا واشنطن، لا يعلمون حجم الخسائر التي ستترتب على سيطرة إيران على العراق، من ناحية الاستقرار في المنطقة، وعملية السلام، وأكثر من ذلك.

[email protected]