أهمية الشريك

TT

بدأت للتو في قراءة مذكرات نلسون مانديللا، أحد عظام الرجال وموحدي الأمم ممن أحب: غاندي، ديغول، بيار أليوت ترودو، وأبراهام لنكولن. قبل أن أمضي في القراءة، تساءلت: أنا الذي لا أكف (ولن) عن استنكار فظاعات الرجل الأبيض وتوحشه الاستعماري، لماذا يخفي ظل مانديللا الطويل، صورة شريكه، وإن ليس بالتساوي، فريديريك دوكليرك؟ هل ترى من العدل أن نغفل دور العنصري الذي وقّع على نهاية الحكم الأبيض؟ هل هناك عدالة في أن يتجاهل العالم دور رجل أشرف على تفكيك آخر نظام عنصري في العالم؟

لا أدري. في النهاية، لم يكن استقلال الأفريقي منة ولا منحة. لقد أنهى الرجل الأبيض استعمارا كان يجب أن لا يكون وظلما كان يجب أن لا يطول وألا يستفحل. ولكن، أيضا، ألم يتميز دوكليرك، على الأقل، بأنه الرجل الأبيض الأخير؟ الأبيض الذي أعاد إلى أفريقيا آخر أماناتها؟ لم «يمنح» ديغول الجزائر استقلالها، وإنما تأخر في إعادة أرضها. لكن ذلك لم يكن سهلا، فقد حارب جنرالاتِ الجزائر الاستعماريين وقاتل الغلاة، وقرر أن يقحم فرنسا في حرب أهلية على أن تبقى الحرب الجزائرية دائرة. ألم تؤد سياسة ديغول إلى إيقاظ بريطانيا على أنها يجب أن تتبع سياسة مشابهة وتقتنع بأن الأبواب فُتِحَت لإخراج الاستعمار من الوجود؟

بدأ دوكليرك حياته السياسية بمحاربة الأفارقة وأنهاها في محاربة البيض. وربما كان يشعر في داخله بالمرارة في أن التاريخ يتردد كثيرا في منحه أي مكانة بين المكانتين. بل قد يتركه إلى النسيان، إلا عندما يذكر حفل التسلم والتسليم بين اثنين من نبلاء العالم؛ واحد يتحدى أهل بشرته كي ينسى «تنازله» عن السلطة، وواحد يتحدى أهل سمرته، لأنه يصر على السماح وعلى نسيان الغروب الدامي بحثا عن طريق واحدة نحو الشرق.

ترى كيف سوف يُقيّم هذا المعذب العظيم الجلاد الذي صار نبيلا؟ لا أدري. لم أصل إلى تلك الصفحات بعد. فأنا مأخوذ بمتابعة سياسات لبنان، حيث لا أحد في حجم مانديللا ولا من دوكليرك في الأفق. أحيانا أشعر باعتزاز لأنني ولدت في بلد أعطى جبران خليل جبران والأمير فخر الدين ورياض الصلح وموسى الصدر وفؤاد شهاب، وغالبا طعم فمي مر وكآبتي عظيمة.