شوربة طماطم!

TT

الموضوع بسيط، لكنه كالكثير من الأشياء هذه الأيام يتحول إلى مادة للخلاف والجدل السياسي والآيديولوجي، فهناك شركة كندية أرادت، كما يبدو، أن تستفيد من السوق المتوسعة في دول غربية كثيرة مع وجود جاليات إسلامية في إنتاج مواد غذائية معتمدة بشهادة حلال، أي أنها منتجة وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية.

والمنتج هذه المرة وفقا لتقرير في «واشنطن بوست» هو معلبات شوربة طماطم مدموغة من جمعية إسلامية في أميركا الشمالية بأنها شوربة حلال، ونظرا لأنه لم يسمع من قبل عن متطلبات إسلامية معينة فيما يتعلق بأكل الطماطم، أو البندورة، كما تسمى في سورية ولبنان، فإن المرجح أن يكون ضمن تكوين هذه الشوربة - وهذا مجرد استنتاج - بعض اللحوم أو الدجاج، على اعتبار أن هذه هي المنتجات التي لها متطلبات ذبح معينة قبل أكلها في الشريعة الإسلامية.

عموما.. المشكلة لم تأتِ من هنا، ولكن من حملة بدأت تتفاعل عبر الإنترنت تدعو لمقاطعة هذه الشركة، ويقول منظمو الحملة إنهم ليسوا ضد فكرة المنتجات الحلال الإسلامية في حد ذاتها، ولكن الشركة وضعت على منتجاتها عبارة أنها معتمدة من جمعية إسلامية يتهمها منظمو الحملة بأن لها علاقات مع حماس والإخوان المسلمين، وهو ما ينفيه القائمون على هذه الجمعية.

هده حالة من حالات أصبحت تتكرر بوتيرة أصبحت متسارعة، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) لمعارك يكون فيها المسلمون بشكل أو بآخر طرفا فيها، سواء برغبتهم أو عرضا، وهو ما يحلو للبعض أن يسميه بظواهر صراع حضارات أو ظاهرة الإسلاموفوبيا، وإن كان الأصح تسميته بالأعراض الجانبية لتداخل الحضارات أو العوالم مع بعضها البعض، مع ظاهرة العولمة والهجرات والسفر الكثيف لمئات الملايين سنويا، وهي أشياء لم يكن عالم الجزء الأول من القرن العشرين والقرون السابقة تحلم بها.

فاختلاف العقائد والأفكار والتقاليد موجود منذ البدايات الأولى للحضارات البشرية وحتى يومنا هذا، ولا جديد. والفرق هذه الأيام هو ثورة الاتصالات وظاهرة السفر الكثيف وسهولته، والهجرات الكبيرة، خاصة من دول إسلامية، وربما وضع الأفكار والتقاليد والحضارات في مواجهة بعضها البعض يوميا، في الشارع والمدرسة، والأماكن العامة الأخرى. وفي حين أن أمر التعامل مع حضارات وثقافات أخرى كان متروكا في الماضي للرحالة والمفكرين والنخب الثقافية والسياسية، أصبح بحكم التواجه اليومي مادة لرجل الشارع العادي حاليا.

والظاهرة لا تتعلق بالمسلمين فقط، فالهجرات والتداخل يشملان دولا وشعوبا كثيرة آسيوية وأفريقية وأميركية ولاتينية. وحتى داخل القارة الواحدة مثل أوروبا هناك التداخل الحاصل حديثا مع جاليات أوروبية شرقية مع تنافس على سوق العمل. ولو لم تحدث ظاهرة الإرهاب والتكفير والتطرف التي تقودها جماعات تقول إنها إسلامية وتحمل فكرا معوجا، ولو لم تحدث هجمات 11 سبتمبر، لما كانت هناك فرصة أو أرضية لما يسمى بالإسلاموفوبيا. عموما هذا سيأخذ وقته، والمهم تفعيل الحكمة وعدم الاستفزاز من جميع الأطراف.

وفي قصة شوربة الطماطم إثبات أن السوق واقتصاداتها أقوى من الآيديولوجيات. فحينما تكون هناك سوق لمنتج معين وأرباح من وراء ذلك، فإن المنتجين والشركات لن تنفعهم آيديولوجية أو فكر معين من أن يسعوا إلى هذه السوق ما دامت هناك أرباح وعائدات. والدليل على ذلك أن منتجات الحلال أصبحت لها أرفف في معظم شبكات السوبر ماركت العملاقة في العواصم الغربية، جنبا إلى جنب مع منتجات الكوشير التي تراعي متطلبات الشريعة اليهودية.