هل تبدأ المعركة بين إيران وإسرائيل في جنوب لبنان؟

TT

عندما نحاول تفهم أسباب التوتر المفاجئ الذي ظهر مؤخرا على الحياة السياسية في لبنان، لا بد لنا أن ننظر عبر الحدود إلى الأصابع الخارجية التي تتحكم في سير الأمور في هذا البلد. وبحكم العلاقة الوثيقة بين حزب الله وسلطة الولي الفقيه في إيران، صار لبنان يتأثر بالقرارات التي تتخذها القيادة الإيرانية في طهران. فقد أكدت إسرائيل أنها - إذا لم تتراجع إيران عن برنامجها النووي - سوف تقوم بتوجيه ضربة جوية لتدمير مواقعها النووية. وفي المقابل أعلن أحمدي نجاد تصميمه على عدم الرضوخ للعقوبات الدولية والمضي قدما لاستكمال مشروعه النووي، وهناك دلائل تشير إلى أن إيران قررت بدء معركتها مع إسرائيل في لبنان. فبينما تدرك إيران عدم قدرتها على الرد على إسرائيل في حال قيامها بهجوم جوي لتدمير مواقعها النووية، فهي تعلم أن القوة العسكرية الوحيدة التي يمكنها تهديد إسرائيل، تتمثل في حزب الله اللبناني. فبسبب الحدود المشتركة، يمكن لهذا الحزب توجيه ضربات موجعة لإسرائيل، ليس فقط في المناطق السكنية في الشمال، بل كذلك في المواقع النووية بصحراء النقب في الجنوب. لذا صارت إيران ترى أن حربا استباقية يشنها حزب الله على إسرائيل ستضعف من قدرتها على ضرب المفاعلات الإيرانية. وحتى يتمكن حزب الله من تنفيذ الخطة الإيرانية، لا بد له من التخلص من التزاماته إزاء الدولة اللبنانية، عن طريق انسحابه من التحالف الحكومي القائم.

بدأ التوتر في لبنان عندما طالب حزب الله بمنع صدور قرار الاتهام في عمليات قتل رفيق الحريري وعدد من رفاقه، واتهم المحكمة الدولية بأنها مسيّسة من قبل إسرائيل وأميركا، بهدف الإضرار بما يسميه المقاومة. ورغم أن المحكمة لم تصدر قرارها بعد ولم يعرف نوعية الأدلة والشهادات التي ستستند إليها في قرارها، فقد طالب حزب الله بإلغائها وإلغاء المعاهدة القائمة بشأنها. وبدا وكأن حزب الله يطالب سعد الحريري بالقيام بعمل مستحيل - إلغاء عمل المحكمة - بهدف خلق أزمة سياسية تؤدي إلى سقوط الحكومة، وإحداث فراغ سياسي في البلاد يعطيه حرية التصرف في الشارع.

ازداد الأمر تعقيدا عندما أصدرت السلطات القضائية في دمشق، مذكرة توقيف بحق 33 شخصية لبنانية بسبب الشهادات التي قدموها للمحكمة الدولية، والتي اعتبرها البعض بمثابة شهادات زور. ومن اللافت أن هذا القرار صدر بعد عودة الرئيس بشار الأسد من زيارته إلى طهران ولقائه بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامئني. كما يلاحظ أن هذه التطورات جاءت لتسبق وصول أحمدي نجاد إلى بيروت، في أول زيارة رسمية له منه توليه الرئاسة.

وهنا يثور السؤال: ما هي علاقة الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإيراني إلى لبنان بالأزمة التي يحاول حزب الله إيقاع الحكومة اللبنانية فيها، وهل جاءت زيارة نجاد لإعلان حربه على إسرائيل من جنوب لبنان؟

من المعروف أن أحمدي نجاد يعتبر الجنوب اللبناني بمثابة حدود إيران مع إسرائيل، وتقول تقارير الاستخبارات الإسرائيلية إن حزب الله بدأ يستعد للمواجهة مع إسرائيل منذ حصوله على صواريخ متطورة، فقام ببناء الدفاعات وحفر الخنادق وتجميع ترسانة صاروخية قوية. كما هدد حزب الله بضرب إسرائيل بكميات هائلة من المتفجرات، كفيلة بإصابة جميع المرافق الحيوية فيها بالشلل التام. وتعتقد المصادر الاستخباراتية الإسرائيلية أن حزب الله حصل على صواريخ متطورة عن طريق إيران، مثل «زلزال» و«فاتح 110» و«إم 600»، التي في استطاعتها إيقاع خسائر كبيرة بالجيش الإسرائيلي والسكان المدنيين. كما يمكن لحزب الله استخدام الصواريخ قصيرة المدى، مثل «جراد» و«الفروغ» و«خيبر»، حيث في إمكانه إطلاق نحو 600 قذيفة يوميا من هذه الصواريخ التكتيكية. وفي الوقت نفسه يعتقد الإسرائيليون أن حزب الله عاد تدريجيا إلى المناطق المفتوحة في جنوب لبنان، بعيدا عن عيون قوات اليونيفيل الدولية الموجودة هناك. وصرح الجنرال غابي أشكنازي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست بأن حزب الله لديه صواريخ يصل مداها إلى 320 كيلومترا، يمكنها الوصول إلى صحراء النقب بجنوب إسرائيل، مما يهدد مفاعل ديمونة النووي هناك. ووفقا لتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية فإن حزب الله يملك نحو 40 ألف صاروخ، يمكن لبعضها ضرب تل أبيب، كما حصل على نوع حديث من الصواريخ المضادة للطائرات من طراز «إس-إيه 8»، التي تهدد الطائرات الإسرائيلية.

وعلى الجانب الآخر فمن الواضح أن إسرائيل قد توصلت هي الأخرى إلى ضرورة بدء معركتها مع إيران في جنوب لبنان. فهي تعلم أنها إذا هاجمت المفاعلات الإيرانية، فسوف يكون عليها مواجهة صواريخ حزب الله من لبنان، وتدرك صعوبة فتح جبهتين للقتال في وقت واحد. لذا فإن الخطة الإسرائيلية باتت تقضي بضرورة التخلص من تهديدات حزب الله أولا قبل مهاجمة المفاعلات الإيرانية. وقد قام الجيش الإسرائيلي مؤخرا بتدريبات عسكرية استعدادا لمواجهة حزب الله، أجرى خلالها تدريبات في مواقع مشابهة لقرى الجنوب اللبناني. وأكد سامي تورجمان قائد القوات البرية في الجيش الإسرائيلي أن الحرب بين إسرائيل وما سماها «الأذرع الإيرانية في الشرق الأوسط» باتت قريبة. وإلى جانب التدريبات بالذخيرة الحية، قام الجيش الإسرائيلي بحفر أنفاق على مساحة طويلة وبعمق يصل إلى عشرين مترا تحت الأرض، والتي تقول إسرائيل إنها تمتد بين 160 قرية في الجنوب اللبناني. وشملت تدريبات الجيش الإسرائيلي الخطط المحتملة لاحتلال مناطق الجنوب اللبناني، والسيطرة على مواقع حزب الله لمنعه من إطلاق الصواريخ قصيرة المدى. فلن تعتمد الحرب القادمة على الضربات الجوية كما حدث في 2006، بل ستكون حربا برية تقوم إسرائيل خلالها باحتلال الجنوب اللبناني حتى مدينة صيدا، بهدف القضاء على البنية التحتية لمواقع حزب الله وتدمير مخابئه المحصنة هناك. وقد سبق للجيش الإسرائيلي أن قام في الصيف الماضي بإجراء مناوراته الكبرى للدفاع المدني، اعتبرت الأكبر منذ قيام دولة إسرائيل، بهدف اختبار جاهزية الوضع الداخلي للتعامل مع حرب جديدة مع حزب الله.