بترايوس يعيد صياغة القواعد في أفغانستان

TT

يبدو أن الجنرال ديفيد بترايوس يشكل محورا استراتيجيا في أفغانستان، ويعمد إلى تكميل مهمته الأساسية كقائد عسكري بدوره كـ«رجل دولة مقاتل» الذي قام به في العراق، حيث تمكن من الدمج بين العناصر السياسية والعسكرية للحملة.

ويعد بترايوس منذ أمد بعيد واحدا من أنصار فكرة أن الحروب داخل المجتمعات القبلية تمثل مزيجا محتوما من المحادثات والقتال. وعليه، نجد أنه في الوقت الذي سحق فيه المتمردين السنة والشيعة بالعراق، فتح قنوات جديدة أمامهم للعثور على سبيل نحو الاندماج في الحكومة المدعومة من قبل الولايات المتحدة.

والواضح أن القائد العسكري الأميركي يتبع نفس النهج المزدوج في كابل بعد أربعة أشهر من توليه مهام منصبه كقائد لقوات حلف الناتو في أفغانستان. حاليا، يشن بترايوس المزيد من الهجمات والعمليات الخاصة والتفجيرات ضد قادة طالبان. إلا أنه في الوقت ذاته يجري مزيدا من المحادثات، ويؤيد محادثات المصالحة بين الرئيس حميد كرزاي ومسؤولي طالبان، ويعمل على ضمان سلامتهم للوصول إلى كابل والخروج منها باعتبار ذلك أحد إجراءات بناء الثقة.

ويتعلق الأمر برمته بالقواعد الخاصة ببترايوس، ويعد مثالا على كيفية استعانته بمبعوثين غريبي الأطوار في بعض الأحيان لنقل رسائل مصالحة، حتى في الوقت الذي يصعد فيه من وتيرة الهجمات. داخل بغداد، أبقى بترايوس على شبكة فريدة من القنوات الخلفية من المساعدين العرب الذين كان بإمكانهم القيام بزيارات في منتصف الليل لنوري المالكي، رئيس الوزراء، وآخرين لإقناعهم بالموافقة سرا على ما رفضوا الاعتراف به علانية. ويعد ذلك توجها ملائما في مجتمعات يعد فيها مساعدة الآخر على «حفظ ماء الوجه» جانبا أساسيا في إبرام الاتفاقات.

مع احتلال بترايوس مقعد القيادة السياسية - العسكرية، بات بإمكانه توجيه العملية برمتها لدفع المجموعات المختلفة تحت لواء طالبان نحو تسوية سياسية.

ويعتمد الجانب الدبلوماسي لهذه اللعبة على قدرة بترايوس على سحق من يرفضونها بقوة نيران مدمرة. ولهذا، عمد بترايوس إلى الضغط على باكستان بشدة كي تصعد عملياتها ضد شبكة حقاني، المحتمية داخل المناطق القبلية بشمال غربي البلاد، وضد مقاتلي «كوتا شورى طالبان» الذين ينطلقون من بلوشستان بجنوب غربي باكستان.

المثير أنه في الوقت الذي يدفع فيه بترايوس جهود المحادثات ويعزز هجماته العسكرية، تتضاءل الأنباء المتعلقة باستراتيجية مكافحة التمرد التي يفترض أنها كانت واحدة من إسهاماته الكبرى في العقيدة العسكرية.

رغم أن بترايوس ساعد في صياغة هذه العقيدة عام 2006 عندما كان في جولة أثناء عمله قائدا في فورت ليفينورث، فإنها تشكل توجها يحمل طابعا أساسيا أكبر عن الاستراتيجية المراوغة التي استخدمها فعليا داخل العراق وأفغانستان.

ويمكننا النظر للمبدأ المحوري لجهود مكافحة التمرد: «احم السكان»، على سبيل المثال، حيث لا يزال بترايوس ونوابه يدفعون هذا التوجه «المتمركز حول السكان» بإقليمي قندهار وهلمند، رغم أن مسؤولين عسكريين بارزين قالوا إن الاستراتيجية حققت نجاحا محدودا فقط حتى الآن، إلا أن الإجراءات الحقيقية ركزت على العدو، وتمثلت في تصعيد العمليات الرامية لأسر أو قتل قادة طالبان، بجانب تأييد محاولة كرزاي عقد اتفاق سياسي معهم. وبعد أن وقع على توجه مكافحة التمرد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، يراقب الرئيس أوباما قائده وهو ينفذ استراتيجية جاءت نجاحاتها الكبرى من تكتيكات لمكافحة الإرهاب جرت صياغتها اعتمادا على التجارب العملية، مثل الغارات التي يجري شنها في منتصف الليل والعمليات الخاصة المشتركة.

الملاحظ أن هناك أمرا يرتبط بهذا المزيج يعد مميزا لطبيعة بترايوس المتلونة. طبقا لأحد عملاء القوات الخاصة، كشفت مراجعة للعمليات تمت مؤخرا بناء على طلب بترايوس أن 90% من نجاح العمليات في أفغانستان تحقق على يد 5% من القوات، بصورة أساسية الفرق السرية التابعة لقيادة القوات الخاصة المشتركة.

ومن الواضح أن تحدي بترايوس الأكبر من البداية تمثل في عنصر الوقت. وكان عدم ارتياحه حيال الجدول الزمني الذي حدده أوباما، يوليو (تموز) 2011، لبدء سحب القوات الأميركية واضحا منذ البداية. والواضح أن تقليص أعداد القوات لم يكن الأمر الذي يثير قلق بترايوس بقدر ما كان يقلقه الرسالة التي سيبعث بها هذا القرار لطالبان، وإمكانية استغلال هذا القرار على نحو يقوض استراتيجيته السياسية - العسكرية، فما الذي سيدفع خصما قبليا للتفاوض مع قوة عظمى أعلنت عزمها الانسحاب؟

وقد تفتق ذهن بترايوس ومستشاريه عن حل عبقري لمشكلة التوقيت المرتبطة بيوليو 2011، حيث حث الناتو على التركيز خلال اجتماع قمته في لشبونة الشهر المقبل على الجدول الزمني الذي اقترحه كرزاي لنقل الأمن إلى السيطرة الأفغانية بحلول عام 2014. وقد ترك تأثيرا إيجابيا على بترايوس باعتبار أنه زاد الفترة المتاحة أمامه بثلاث سنوات، بجانب أنه أضفى مصداقية أكبر على حجته بضرورة انضمام طالبان لقطار المصالحة مع كرزاي.

مجمل القول: إن استراتيجية إدارة أوباما، باعترافها في تقرير كئيب قدمته للكونغرس هذا الشهر، لم تسر على نحو جيد. ومن الطبيعي أن يعمد بترايوس لتجريب مزيج آخر.

* خدمة «واشنطن بوست»