تلويث وجه العرب

TT

صدق من قال: «إذا أردت أن تهزم أمة فقم بتجريدها من هويتها ومن إحساسها بالكرامة ومن ثقتها بنفسها». فهذا التوصيف ينطبق تماما على العالم العربي الغارق في خلافاته وفي إحساسه بالعجز والإحباط، في حين بدأ الإنسان فيه يفقد الأمل في الخروج من هذه الدوامة، إن لم يكن فقد بالفعل، اعتزازه بهويته وبانتمائه.

هذا العجز في الداخل ارتبط معه تشويه مستمر ومتعمد يحدث لصورة الإنسان العربي في الخارج حتى باتت كلمة «عربي» ترتبط في أذهان الكثيرين بصورة نمطية ممسوخة لإنسان متخلف، جشع، لا يحب كل من هو غربي ولا يعرف كيف يحترم المرأة. وكأن ذلك لا يكفي لتشويه الصورة، فقد رُبطت شخصية العربي والمسلم بالإرهاب إلى الحد الذي بات فيه كثير من الناس يقلقون في المطارات إذا سمعوا من يتكلم باللغة العربية أو يطلق لحية على وجه داكن. واستخدمت أحداث سبتمبر (أيلول) لترسيخ هذه الصورة والإمعان في اغتيال شخصية الإنسان العربي أو المسلم.

وأسهم كثير من الكتب وكثير من المقالات والأفلام في ترويج هذه الصورة النمطية حتى كادت كلمة «عربي» و«مسلم» ترتبط تماما في أذهان كثيرين بالإرهاب وبالغدر. تقرأ أحيانا كتابا لتقفز أمامك فجأة عبارة تصور العربي على أنه إنسان فج وماكر لا يمكن الوثوق به.. تشاهد فيلما من استوديوهات هوليوود عن حرب تقليدية حديثة أو عن الإرهاب فلا ترى العربي أو المسلم إلا في دور الرجل الشرير المخادع، والقاتل الذي ليس في قلبه رحمة، والإرهابي الذي يريد قتل الأبرياء وتدمير الغرب.

تحدث هذه العملية بشكل منهجي ومدروس، يرسخ هذه الصورة السلبية، ويجعل العرب والمسلمين عرضة للسخرية وللهجمات المستمرة عليهم. يساعد على ذلك واقع التشرذم والخلاف والحروب في عالمنا، بحيث باتت الحقوق تضيع، والكرامات تمتهن، بينما يقف الإنسان العربي موقف المستكين والمستسلم لهذا الواقع.

هذا الاغتيال للشخصية وخلق الصورة النمطية التي تلغي كرامة الإنسان، هي مسألة مر بها اليهود قبل ذلك، حيث صورتهم كتب وروايات في الغرب على أنهم نموذج للبخل والجشع والخيانة، وأوجدت لليهودي صورة نمطية جعلته منبوذا في كثير من المجتمعات الغربية. لكن اليهود عملوا، وما زالوا يعملون، بصورة مدروسة على إلغاء تلك الصورة النمطية القديمة ومنع تكرارها، سواء باستخدام سلاح «معاداة السامية» أو عبر السيطرة على وسائل الإعلام والثقافة، والنفاذ إلى مراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي في الغرب.

كذلك عانى السود في أميركا أثناء فترة العبودية من إلغاء الكرامة واغتيال الشخصية وخلق صورة نمطية للإنسان الأسود بأنه بليد وكسول وهمجي ولا يصلح إلا للعمل في الحقول والمنازل. وقاتل السود ضد العبودية والعنصرية واجتازوا عقبات كثيرة، وما زالوا يعملون لتغيير الصورة النمطية وتنمية إحساس الفخر بالهوية عبر البحث عن الجذور. من هذا المنطلق قد يجد المرء تفسيرا للتعاون والتعاطف بين كثير من منظمات اليهود والسود في أميركا باعتبار أن كليهما يرى أنه عانى في الماضي في المجتمعات الغربية، وأن لديهما مصلحة مشتركة في مكافحة العنصرية. كما أن هناك من يرى أن الحركات اليهودية أرادت كذلك، من خلال التنسيق مع تنظيمات الأميركيين من أصول أفريقية، التصدي لظاهرة الراديكالية وسط جماعات من السود الأميركيين اعتنقت الإسلام وعادت اليهود مثل لويس فرقان وتنظيم «أمة الإسلام».

وليس هناك من شك في أن أحد إفرازات الصراع العربي - الإسرائيلي يتمثل في وقوف إسرائيل وأصدقائها وراء حملات تشويه صورة الإنسان العربي في الخارج لهزيمته سياسيا وضربه معنويا. لكننا أيضا أسهمنا في تشويه صورتنا من خلال ممارسات البعض منا، أو بالوقوع في فخ الإحباط والاستكانة، بحيث فقدنا القدرة على إبراز ما هو إيجابي، وبتنا أسرى التركيز على سلبياتنا. كما أصبحنا نركز على كون هذا سنيّا وذاك شيعيا.. هذا مسلم وذاك مسيحي.. هذا شمالي وذاك جنوبي. وصارت حرفتنا هي تسليط الضوء على ما يفرق ويثير الخصام، لا على ما يجمع ويخلق الوئام.

هناك ارتباط بلا شك بين إحساس الإنسان بالفخر والكرامة والاعتزاز بهويته، وبين إحساسه بالقدرة على مواجهة الظلم أو بقدرته على النهوض. فاليابانيون والألمان استطاعوا النهوض من الهزيمة وإعادة بناء أنفسهم لأنهم لم يفقدوا اعتزازهم بهويتهم. والإنسان العربي لن تقوم له قائمة إذا لم ينفض عن ظهره الإحساس بالانكسار، وإذا لم يستعد اعتزازه بهويته، فالحالة المزرية الراهنة تعكس إحساس كثيرين بعدم الفخر بهويتهم والاكتفاء بترديد أن الأوضاع مزرية، وأنه لا مجال للخروج من عنق الزجاجة وتغيير الحال. بداية التغيير لا بد من أن تكون بإعادة الإحساس بالفخر والكرامة، ومحاربة الأشياء التي استهدفت مسخ صورة الإنسان العربي والمسلم في الخارج، وكذلك بمواجهة بعض الظواهر التي تقوم بها قلة تنتسب إلينا لكنها بممارساتها تسيء إلينا وتخدم من يريدون استهدافنا وتشويه صورتنا.

إنها حرب لا بد من كسبها لكي ننهض من جديد.