الفضائيات الدينية: الإغلاق ليس حلا

TT

غضب وكره وإحباط، أو حزن وذهول في أحسن الأحوال..

تلك هي المشاعر التي غالبا ما نتأرجح بين ضفتيها لدى مشاهدتنا التيار الغالب من القنوات والفضائيات الدينية العربية.

سنة وشيعة، مسيحيون ومسلمون، مسلمون وأقباط، وسطيون ومتشددون، عرب ويهود، مؤمنون وكفرة.. واللائحة طويلة للانقسامات التي كرّسنا التمترس خلفها لننادي برفض الآخر وتكفيره والانكفاء على الذات، مستنفرين أقصى درجات الهوس الديني والأخلاقي لدى عامة الناس حتى في أبسط عاديّات الحياة.

في عصر المعلومات يعتبر الفكر التكفيري والإقصائي عجزا فكريا خالصا، فهذا العصر أعلن بوضوح أن لا أحد يمكنه احتكار الحقيقة. وإن كانت الفضائيات الدينية صادمة بمحتواها وتقوقعها، فإن ما يجري من سجالات ونقاشات دينية ومذهبية في العالم الافتراضي أو الإنترنت يثير القلق على نحو مضاعف، خاصة أنه يعكس وجدان الملايين التي يتكون منها محيطنا المباشر على نحو أكثر فظاظة ومباشرة مما تعكسه الفضائيات.

قيل كلام كثير عن الفضائيات الدينية وأثيرت نقاشات وعقدت ندوات.

ومؤخرا، عمدت السلطات المصرية إلى إقفال عدد من القنوات الدينية بذريعة إثارتها للفتنة المذهبية، وثار جدل واسع بشأن تلك الخطوة.

فهل إقفال الفضائيات الدينية وإغلاق بعض المواقع الإلكترونية وبعض البرامج ومراقبة الرسائل الإخبارية للهواتف الجوالة هو المدخل نحو ضبط هذه الظواهر؟

الجواب البديهي هو: كلا، و«كلا» كبيرة.

المنع والإغلاق لم يكونا ولن يكونا حلا.

الانفلات الذي انفجر في فضائنا وعبر شاشاتنا وفي العالم الرقمي هو نتيجة مباشرة وفجّة لما سمحنا به وقبلنا بحضوره بيننا وتركناه يتراكم على مدى عقود.

يقولون إن الفضائيات الدينية أذكت الفتن الطائفية والمذهبية. نعم، ربما.. لكن الاحتقانات هذه سبقت حضور الفضائيات التي لم تفعل سوى أن ظهّرت تلك الحقائق وإن على نحو بالغ الإسفاف.

هشاشة تلك الفضائيات هي انعكاس فعلي لهشاشة حالنا السياسي والاجتماعي؛ إذ كيف لقنوات بائسة المحتوى على القدر الذي هي عليه تلك الفضائيات أن تستقطب جمهورا وتثير اهتمام العامة لو لم تكن الديمقراطية والمبادئ المدنية على هذه الحال من الضعف في بلادنا.

نحن كدول وجماعات، تركنا التفكك يسري طويلا في أوطاننا حتى ضعف التفاعل بين مكونات المجتمع الواحد والبلد الواحد واللون الواحد.

في بعض بلادنا تكرّست ممارسة السياسة على أساس ديني بما يتعارض مع المواطنة، والإسلام السياسي لا يزال غير حاسم لأمره في ما يتعلق بغير المسلمين. ونحن أمم لا تزال تنبذ الأقليات، ولا نزال غير معترفين للمرأة بحقوقها، ونأتي بعد ذلك لنحاسب فضائيات غضّت أنظمة كثيرة الطرف عنها، بل واستفادت منها في بعض الأحوال.

الفتنة لا تدفن بإغلاق قنوات إذا كان هذا هو فعلا مغزى إقفالها، فمن غض الطرف عن إغراق المجتمعات بسيل من الفتاوى والخزعبلات التي تثير الذعر من أي فكر ناقد، وتشحنها بقدر هائل من التعصب والكراهية، يتحمل مسؤولية أكبر من مسؤولية القنوات نفسها.

diana@ asharqalawsat.com