لبنان صار «لبنانين» بعد زيارة أحمدي نجاد

TT

شعر كثير من اللبنانيين بحزن عميق وهم يرون كيف أن الولاء لإيران لدى بعضهم، يفوق الولاء للبنان أو يلغيه.

صبيحة يوم الأربعاء قبل الماضي، كان ما يقارب المليار شخص يتابعون ما يحدث في تشيلي من عملية إنقاذ لثلاثة وثلاثين عامل منجم، ظلوا محتجزين مدة 76 يوما في بطن الأرض على عمق 700 متر، كان التشيليون يهتفون للحياة، فيستعيد العالم معهم الارتباط بالإنسانية، وفي لبنان أطل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من كوة سيارة مصفحة، فاستقبلته أهازيج تمجد الموت!

ما جرى يومي الأربعاء والخميس من الأسبوع الماضي مدة زيارة أحمدي نجاد إلى جزء من لبنان، كان بمثابة كرنفال، لا ندري عدد الأقنعة التي ارتداها الضيف في هذين اليومين. لكن بالنسبة إلى المحتفين به، سقطت كل الأقنعة. وبصراحة أعلن حزب الله ومعه حركة أمل عن تقسيمهم للبنان، وعلى اللبنانيين أن يكفوا عن الضحك على أنفسهم. الكل يعترف بأن البلد منقسم على ذاته سياسيا ويتوقف عن إضافة جغرافيا.

قسّم حزب الله وأمل لبنان رغم ادعائهما بأنهما يعملان من أجل الوحدة، ورغم أن نبيه بري رئيس مجلس النواب، لكنه في الأساس يبقى رئيس ميليشيا أمل، فهو شكر أحمدي نجاد وإيران لأن مؤسس حركة أمل مصطفى شمران، الذي صار لاحقا وزير الدفاع الإيراني. قسّم الحزب والحركة لبنان، رغم أن للحزب نوابا في البرلمان ووزراء في الحكومة لديهم حق النقض. الواقع يقول، إن حزب الله وأمل كمن يقول للبنانيين، لنا دولتنا إنما نشارك في التضييق على عدم تحرك أو تقدم دولتكم. أي ما لنا لنا وحدنا، وما لكم لكم ولنا، وستظلون أسرى توجهاتنا حتى يسقط كل لبنان تحت سيطرتنا.

فهل يريد كل اللبنانيين العيش في ظل دولة حكامها أكثر ولاء لإيران مما هو للبنان، أم أن الاعتراف علنا بأن التقسيم وقع والتصرف على هذا الأساس يكون أفضل لإنقاذ ما تبقى من لبنان!

بعد ظهر اليوم الأول من زيارة أحمدي نجاد، كان تلفزيون «المنار» يقدم برنامجا لتلقي أسئلة من المشاهدين تكيل المديح لأحمد نجاد، وإذ نجح أحدهم ويدعى «عدنان»، في الاتصال بمقدم البرنامج، وقال له ولبقية المشاهدين: «ماذا تقولون، اصحوا، هذا طاعون وقع عليكم..» فقُطع الاتصال به فورا، ثم بدأت اتصالات المشاهدين تصب اللعنات على «عدنان».

في القصر الجمهوري ارتدى أحمدي نجاد «قناع» رئيس الدولة، وتحدث بكلمات تقليدية تدعو للوحدة وترفض الفتنة. ثم عقد مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان مؤتمرا صحافيا حدد فيه المكلفون الإيرانيون عدد الأسئلة بسؤالين فقط، منعا لإحراج رئيسهم. ومع هذا جاء السؤال اللبناني للرئيس الإيراني عما إذا كان الجنوب اللبناني بنظره الخط الأول لمواجهة إيران مع إسرائيل، وجاء رده مراوغة عن الوحدة والأخوة ولم يجب عن السؤال.

بعد ظهر اليوم الأول وفي ملعب الراية في الضاحية الجنوبية لبيروت خلع أحمدي نجاد، القناع، وتحدث وكأنه وكيل الشعب اللبناني كله.

قبله، أطل أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، كانت كلماته غاضبة جدا، هددنا بلاءات الخرطوم الثلاث، وطمأننا بأن لا مشروع إيرانيا للمنطقة. لكن أحمدي نجاد لم يسمح لنا بالاطمئنان، فهو أثناء منحه دكتوراه فخرية في «مدينة رفيق الحريري الجامعية» - (الجامعة اللبنانية) في الحدث قال: على لبنان أن يكون الواجهة الأمامية لدول المنطقة لمواجهة العدو!

ثم في مناسبة ثانية تحدث عن محور مقاومة من إيران / سورية / لبنان / الأردن / تركيا. لم نعرف إذا كان مخولا من تركيا أو من الأردن، لكن ردت عليه المسؤولة السورية بثينة شعبان بتمنياتها أن ينضم العراق إلى محور المقاومة!

نعود إلى العصبية التي بدت على السيد نصر الله، وهو يلقي خطابه عبر شاشة مرفوعة في ملعب الراية، من المؤكد أن هذه العصبية تعود لشعوره بأنه قيد الإقامة الجبرية، فهو يطلب من شعبه الخروج للترحيب والهتاف وإطلاق الأناشيد، لكنه، لا يستطيع أن يرحب بضيفه وجها لوجه أمام شعبه إنما يلتقيه في الظلام، إذ ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر «حريته».

وجود أحمدي نجاد بين جموع الحاضرين، زاد الشعور بالضغط على السيد نصر الله، وشعوره بأنه غير حر، رغم أنه قبل أيام قليلة من وصول أحمدي نجاد، وبمناسبة زرع الشجرة المليون، ألقى الأمين لعام لحزب الله كلمة، وبهذه المناسبة بدا واضحا عبادة الشخصية في المعادلة. إذ ما إن أطل السيد نصر الله من على الشاشة، حتى هبّ الجالسون في المكان وقوفا يصفقون للصورة.

التحدي لكل لبنان بدا واضحا في قانا، حيث انطلقت التحيات والأناشيد باللغة الفارسية. في بنت جبيل، في الضاحية، وفي قانا كانت مرتفعة صور الزعماء الإيرانيين فقط. محمد رعد النائب من حزب الله، كان يرحب بالرئيس المقاوم في أرض المقاومة، والرئيس المقاوم، في خطبه في المهرجانات، كان يشكر الرئيس اللبناني ميشال سليمان فيرد عليه المرحبون، بالهتاف، وكان يشكر «المجاهد العزيز» نبيه بري، فيأتيه الرد تصفيقا، وحسب أحد عارفي نبيه بري، فرئيس المجلس النيابي ورئيس حركة أمل»، لا يؤمن بما يُسمى «وليمة مجانية»، ثم أطلق أحمدي نجاد على السيد حسن نصر الله لقب «قهرمان لبنان» أي بطل لبنان، وفي المهرجانات الثلاثة عندما وجه التحية إلى رئيس الوزراء سعد الحريري، كان رد جمهور حزب الله وأمل بالصفير! وقال لي أحد اللبنانيين: هذا تأكيد جديد على أن الانقسام في لبنان، جغرافي وسياسي وشعبي، إذ لا أحد يسأل ماذا سيكون رد فعل أبناء طرابلس أو عكار عندما يشاهدون ويسمعون رد الفعل هذا.

كانت عيون أحمدي نجاد تترقرق بالدموع، هل هي دموع الانتصار على لبنان وعلى العرب، أم أن عيونه رأت نورا كما حصل معه العام الماضي على منصة الأمم المتحدة، أم أنه كان يتذكر الشهداء والأسرى أو كان يتألم للفارق الكبير بين ترحيب جمهور حزب الله وأمل به، ورفض أغلبية الشعب الإيراني له!

المبالغة لم تفارق أحمدي نجاد. قال: «هذا الجيش اللبناني المارد الذي يتصدى كعملاق في وجه الجيش الإسرائيلي». على من يضحك أحمدي نجاد، وإذا كانت هذه نظرته للجيش اللبناني فلماذا لا يثق به ولا تثق به إيران، فتسلّح حزب الله على حسابه، ثم إن أحمدي نجاد جلب لحراسته 150 عنصرا من «الحرس الثوري» الذين يؤكد البعض أنهم بقوا في لبنان بعد مغادرته. أيضا وجه أحمدي نجاد في قانا هذه الرسالة: «إلى القلوب الولهانة، والضمائر الشريفة، أن نتحفها في الوقت القريب بعودة الإمام موسى الصدر».

ثم وهو يدعو إلى الوحدة، أثبت أنها كلمة تقال في سياق الخطب من دون معنى، إذ دعا إلى مائدة الفطور ممثلي «8 آذار» وبينهم وليد جنبلاط الذي سقطت كل أقنعته، ولم يدع أحدا من ممثلي «14 آذار».

ليس هناك من تبرير لاستقبال أي رئيس ضيف على نمط الطريقة التي استُقبل بها أحمدي نجاد في جزء من لبنان، ونرجو ألا يلبي الرئيس سليمان أي دعوة لزيارة السودان كي لا يفرض على لبنان استقبال الرئيس السوداني عمر البشير إذ يكفي توريطا للبنان.

قال المستقبلون المحتفون، إنه كان لا بد من شكر إيران لأنها أعادت بناء جزء مما هدمته إسرائيل في حرب 2006. لكن لماذا ننسى أو يريدوننا أن ننسى أن تلك الحرب كان بسبب خطف حزب الله جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية منهم ليخفف من الضغوط التي كانت تتعرض لها إيران بسبب برنامجها النووي، حتى الأمين العام للحزب قال في إحدى خطبه: «لو كنت أعرف...». إن التحدي والصوت العالي وضرب الحابل بالنابل يجب ألا ينسونا الحقيقة. ثم ليس أحمدي نجاد من يعطي شهادة للبنانيين، وليس هو من يقول إنه لا يريد فتنة في لبنان، فإيران اليوم جزء أساسي من المشكلة.

لكن.. أين العرب ولماذا تركوا لبنان!