تحلوا بالصرامة تجاه باكستان

TT

عندما زرت كابل منذ بضعة أسابيع، أخبرني الرئيس حميد كرزاي أن الولايات المتحدة لم تطرح بعد استراتيجية موثوقا بها حيال سبل وكيفية تسوية قضية حيوية هي دور باكستان في الحرب على أفغانستان.

داخل المنطقة وفي الحرب الأوسع ضد الإرهاب، تضطلع باكستان منذ أمد بعيد بدور إيجابي جوهري، وآخر سلبي مثير للقلق. مع عقد لقاء بين قيادات مدنية وعسكرية باكستانية مع مسؤولين بإدارة أوباما هذا الأسبوع في واشنطن، ومع ورود أنباء حول عقد قيادات أفغانية محادثات مباشرة مع قيادات طالبان، لإنهاء الحرب، فإن الفكاك من هذه العقدة الغوردية أصبح أكثر إلحاحا وصعوبة عن ذي قبل.

المؤكد أن باكستان فعلت، ولا تزال تفعل، الكثير من الأمور الإيجابية، فمثلا تمر الكثير من خطوط الإمدادات والدعم اللوجيستي الموجه لقوات حلف «الناتو» في أفغانستان عبر باكستان. كما أن الطائرات من دون طيار التي تهاجم إرهابيين ومسلحين داخل المناطق القبلية، تفعل ذلك بمباركة حكومة إسلام آباد وبالاعتماد على قواعد باكستانية. وقد عملت قوات أمنية باكستانية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لإلقاء القبض على المئات من عملاء «القاعدة».

في الوقت ذاته، توفر إسلام آباد، ليس الملاذ فحسب، وإنما أيضا الدعم لطالبان الأفغانية وشبكة حقاني الإرهابية، الأمر الذي تسبب في إعاقة جهودنا العسكرية، وأسهم في وقوع قتلى بصفوف القوات الأميركية والأفغانية وقوات «الناتو»، وساعد في توتر العلاقات بين كابل وواشنطن.

من ناحيتهم، يعتقد قادة عسكريون باكستانيون أن قرارنا الراهن بزيادة أعداد القوات سيشكل الدفعة الأخيرة قبل أن نشرع في تقليص أعداد القوات في محاولة لإنقاذ ماء الوجه، بداية من يوليو (تموز) المقبل. ولديهم ثقة بأنه في حال استمرارهم في إحباط استراتيجيتنا العسكرية والسياسية، بل وحتى العمل بجد على إعاقة المصالحة بين كابل ومجموعات من طالبان المستعدة للمشاركة في السلام، فإن القوى الموالية لباكستان ستكون لها اليد الطولى داخل أفغانستان بعد رحيل الولايات المتحدة.

عند التعامل مع باكستان، انتهجت إدارة أوباما، مثل إدارة جورج دبليو بوش، توجهين في العمل، أولهما: محاولتها بناء قوات الأمن الأفغانية، وتوفير مساعدة عسكرية لها ودعم الاقتصاد الأفغاني ومؤسسات الدولة، كل هذا على أمل تقوية البلاد في مواجهة المتمردين المدعومين من باكستان.

ثانيا: حاولت الولايات المتحدة التخفيف من الدعم الباكستاني للمسلحين المتطرفين، عبر تعزيز التعاون معها، بجانب تقديم مساعدات إنسانية واقتصادية وعسكرية لها. وبالفعل، وافق الكونغرس على حزمة مساعدات غير عسكرية بقيمة 7.5 مليار دولار لمدة خمس سنوات، ومن بين الخيارات التي جرت مناقشتها من جانب مسؤولين أميركيين وباكستانيين هذا الأسبوع إقرار ميثاق أمني يعني مليارات الدولارات الإضافية، إلا أن مثل هذه الجهود لم تؤد سوى لتحولات تدريجية في السياسة الباكستانية.

وسعيا لدفع تغييرات أسرع وأكثر أهمية، يجب أن تعرض واشنطن على إسلام آباد الاختيار بين حوافز إيجابية وعواقب سلبية.

وينبغي أن تطالب الولايات المتحدة باكستان بإغلاق جميع الملاذات وبرامج الدعم العسكري للمتمردين، وإلا قمنا بشن هجمات ضد ملاذات المتمردين، بموافقة أو من دون موافقة باكستان. وأرى أن الحجج القائلة بأن مثل هذه الضغوط ستتسبب في تفسخ باكستان، مبالغة، ذلك أن المؤسسات الباكستانية، خاصة الأمنية منها، قوية بما يكفي لمنع ذلك من الحدوث.

ومع ذلك، فإن هذا التوجه القوي يتطلب تفكير واشنطن بشأن سلسلة من الاستجابات الباكستانية المحتملة. مثلا، من أجل التعامل مع قطع خطوط الإمدادات لأفغانستان، يجب أن نعكف على تخزين الإمدادات، والشروع في نقل المزيد منها عبر طرق الإمدادات الشمالية وجوا.

في الوقت ذاته، ينبغي أن نقدم حوافز واضحة وكبيرة، فمقابل تعاون باكستاني واضح، ينبغي أن تعرض واشنطن التوسط في النزاعات بين باكستان وأفغانستان، والمساعدة في إقامة قناة اتصال تجارية بين باكستان ووسط آسيا، وضمان عدم استخدام خصوم باكستان للأراضي الأفغانية في دعم متمردين داخل إقليم بلوشستان الباكستاني.

وبصورة جوهرية، يتعين على الولايات المتحدة أن تظهر أنه، حتى بعد رحيل قواتنا عن أفغانستان، فإننا عاقدون العزم على الإبقاء على مشاركتنا في المنطقة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، ينبغي أن توفر الولايات المتحدة مساعدات طويلة الأمد لباكستان تركز على تنمية، ليس جهازها الأمني فحسب، وإنما أيضا مجتمعها المدني واقتصادها ومؤسساتها الديمقراطية.

وأخيرا، ينبغي أن تيسر الولايات المتحدة جهودا دبلوماسية كبرى تركز على تحقيق الاستقرار داخل جنوب آسيا. ويجب أن يتضمن ذلك جهود تحسين العلاقات بين الهند وباكستان. وبناء على المناقشات التي أجريتها مؤخرا مع مسؤولين باكستانيين، بينهم الرئيس آصف علي زرداري، تولدت لدي قناعة بأن القيادة المدنية سترحب بمثل هذه الخطوة.

ومن دون دفع الموقف الباكستاني نحو التغيير، سيتعين على واشنطن الاختيار بين خوض حرب أطول وأكثر دموية في أفغانستان، عما تتطلبه الضرورة، على حساب حياة الكثير من الشباب الأميركي وعدة مليارات من الدولارات، أو قبول انتكاسة كبرى في أفغانستان وفي المنطقة المحيطة. وكلاهما خيار غير مرغوب فيه. وبدلا من ذلك، ينبغي أن تجبر إدارة أوباما باكستان على حسم بعض الخيارات، بين دعم الولايات المتحدة أو دعم المتطرفين.

* زلماي خليل زاد، مستشار بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ورئيس شركة استشارية، وعمل سفيرا لدى أفغانستان والعراق والأمم المتحدة في عهد إدارة جورج دبليو بوش.