الرقيب والقاضي

TT

حسب صحيفة «عكاظ» السعودية، الأربعاء الماضي، فقد طلب رئيس محكمة إحدى المناطق من أحد «الرقاة» إعداد خطاب للمحكمة يتضمن المعلومات التي أوردها «جني» استنطقه هذا الراقي حول قضية فساد قيل إن أحد القضاة قد تورط فيها.

مجلس القضاء الأعلى في السعودية كان قد أصدر بيانا علق فيه على «ما تناقلته بعض الصحف المحلية من قيام بعض الجهات المختصة بالتحقيق في قضية فساد مالي وإداري والقبض على بعض المتهمين من موظفي المحكمة». وأوضح البيان أن المجلس الأعلى للقضاء يتابع العمل القضائي بحكم اختصاصه وصلاحياته وفقا لما نص عليه نظام القضاء في الإشراف على المحاكم والقضاة وأعمالهم، كما يقوم بالتفتيش الدوري على القضاة للتحقق من كفايتهم، حسب صحيفتي «الاقتصادية» و«الرياض». القاضي المتهم بالتورط في قضية الفساد كان قد ذكر أنه تعرض للسحر على يد الوسيط المالي الشريك في هذه القضية، كما ذكرت صحيفة «عكاظ»، في عددها الصادر الاثنين الماضي.

ليس السؤال هنا عن حصانة القضاء، أو مكانته، فهي محفوظة في أي بلد، ولا عن استقلاليته، فهي أيضا مصونة ولا يجوز مسها. وليس السؤال عن صحة تورط الجن والعفاريت في قضايا الفساد أو إغواء بعض الفاسدين أو حتى تحميل الجن مسائل أخرى، كما نشر في صحيفة «الرياض» السعودية هذه الأيام عن تفسير خيانة امرأة لزوجها بسبب «سحر» المشعوذ لها كما قالت المرأة. فنحن لا نستطيع، أن «نستنطق» الجن والعفاريت كما يفعل البعض.

السؤال هنا مكثف ومباشر: هل مؤسسة القضاء لها مهابتها ومكانتها الخاصة؟ والجواب من دون تردد: نعم، فالقضاء في أي دولة هو ركن من أركان الدولة، ولكن هل تنسحب هذه المهابة والمكانة على «أفراد» القضاة كلهم من دون استثناء؟! والجواب طبعا: لا، لأن القاضي بوصفه إنسانا، ليس معصوما من الخطأ أو الضعف البشري.

يذهب السؤال إذن إلى مكان آخر: من هو المخول بالرقابة على «أفراد» القضاة، وتصويب المسيرة أو محاسبة من يقع منهم في الخلل أو الضعف؟ هنا يصبح لدينا تساؤل وجيه: كيف يمكن أن يكون المجلس الأعلى للقضاء، وهو الجهة التي تتولى شؤون القضاة، هو الرقيب والحسيب على من هم تحت إدارته؟! أليس من المفترض أن تكون هناك جهة أخرى تتولى هذه المهمة من خارج المجلس، حتى لا يكون هناك تضارب على طريقة: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم؟!

حسب المعروف، فإن الدول توكل مهمة التفتيش على القضاة إلى وزارة العدل وليس إلى المجلس القضائي، حسب ما هو معمول به مثلا في دول كمصر واليمن والأردن وغيرها.

ليس القصد هنا التشكيك في «ذمم» أعضاء المجلس، فنحن نحسن الظن بهم، فهذا هو الأصل، بل أن يحل المنطق العدلي والرقابي على الجميع بشكل كامل.

ليس المهم صحة أو عدم صحة كلام ما نشر عن أن الوسيط قد سحر هذا القاضي أو ذاك لكي يفسد. لكن في حالة لو زلت قدم قاض ما، بوصفه بشرا، بأي صورة من الصور، فالعقل والعدل يقضيان بأن تكون محاسبته والرقابة عليه من شأن جهة أخرى غير مرجعيته. يسري هذا على المجال القضائي وأي مجال آخر، ولذلك كان هنا في السعودية، مثلا، ديوان المراقبة العامة المستقل عن الأجهزة الحكومية المراقبة منه.

نعرف حجم التطور الكبير الذي طرأ على المرفق القضائي، مشروع خادم الحرمين الشريفين، بشكل يثير الإعجاب والأمل، ولكن تصويب المسار مشوار لا ينتهي.

[email protected]