دكتور غريغ وأفغانستان

TT

كابل (أفغانستان) - يلحظ زائر أفغانستان المتجول خارج الفقاعة الأمنية الأميركية سريعا أن قرار الرئيس أوباما زيادة القوات الأميركية ثلاثة أضعاف أسفر، مع بعض الاستثناءات، على الأغلب عن زيادة في أعداد القتلى الأميركيين والأفغان على السواء.

لذا، ماذا يمكن أن نفعل بدلا من ذلك؟ بعض التوجيه المفيد يأتي من رجل يشير إليه الأفغان بالدكتور غريغ (غريغ مورتنسون)، أميركي يجول في أفغانستان مرتديا الزي الأفغاني يبني المدارس، كما أرخ لذلك كتاب: «ثلاثة أقداح من الشاي».

ما يشاع بأن التعليم والتنمية أمور مستحيلة في المناطق المضطربة من أفغانستان والخاضعة لسيطرة طالبان، ما هو إلا وجهة نظر خاطئة.

فالمؤسسة التي أنشأها مورتنسون وعدد من الأفراد تظهر إمكانية إدارة المدارس في المناطق الخاضعة لطالبان. وقد زرت بعضا من مدارس مورتنسون ومراكز محو الأمية والتدريب المهني والتي نجت من طالبان لا لأنها تخضع لحماية عسكرية بل لأن السكان المحليين يشعرون بملكيتهم لهذه المدارس بدلا من الاحتلال.

يقول مورتنسون: «يمكن تقديم المساعدة في أي مكان آخر، ومن بينها الأماكن التي توجد بها طالبان، لكن من الضروري استشارة وجهاء القبائل وإن فريق التنمية جميعهم من السكان المحليين ولا وجود للأجانب بينهم».

وفي إقليم كونار المضطرب، المحاذي لباكستان، أمرت طالبان بوقف مدرسة قامت مؤسسة مورتنسون (معهد آسيا الوسطى)، ببنائها. لكن أبناء القرية سارعوا إلى الدفاع عن المدرسة، مما دفع طالبان التي تدير معركة للسيطرة على القلوب والعقول إلى التخلي عن مطلبها، بحسب وكيل كريمي الذي يقود فريق مورتنسون في أفغانستان.

وفي منطقة أخرى من إقليم كونار، يدير معهد «آسيا الوسطى» مدرسة ابتدائية ومتوسطة للفتيات في معقل المنطقة التي تسيطر عليها طالبان. بعض هؤلاء الفتيات يبلغن من العمر 17 و18 عاما وهو ما يعتبر أمرا مثيرا للمشكلات بالنسبة للمتشددين (الذين لا يمانعون تعليم الفتيات شريطة التوقف عن التعليم بعد الوصول إلى سن البلوغ)، بيد أن هذه المدرسة يبلغ عدد طلابها 320 فتاة.

لقد نجت المدرسة لأنها تدار من قبل إمام المسجد الذي تغلب على احتجاجات طالبان عبر تأسيسها كمدرسة دينية لا مدرسة عامة. وهو ما يبدو أقل مخالفة للمتشددين ويعطيهم عذرا لحفظ ماء الوجه لعدم ممانعتها.

داخل إقليم أوروزغان، شرع مورتنسون وكريمي في دفع أموال للأئمة كي يعقدوا دروسا للفتيات داخل المساجد، الأمر الذي يضفي هالة من القدسية على تعليم الفتيات. وكل شهر، يتلقى الفريق المعاون لمورتنسون 50 طلبا إضافيا من قرى تسعى لبناء مدارس خاصة بها. ومقابل تكلفة وجود جندي أميركي واحد في أفغانستان لمدة عام، يمكن بناء 20 مدرسة. والواضح أن التعليم يمثل مجرد جزء من اللغز. ومن جانبي، أؤيد تقليص وجودنا العسكري واستخدام عدد أقل من القوات في تأمين كابل وعدد من المدن القليلة الأخرى وتعزيز نشاطات تدريب الجيش الوطني الأفغاني، مع إبدائنا قلقا أقل حيال طالبان، والاهتمام أكثر بـ«القاعدة». أيضا، يتعين علينا بذل جهود دؤوبة من أجل إبرام اتفاق سلام بين الرئيس حميد كرزاي وطالبان تدعمه باكستان.

وبالفعل، يجري العمل حاليا على بعض هذه الموضوعات، لكن الأمر الذي ما يزال ضحية التجاهل هو التعليم والتنمية، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها طالبان. ورغم أن هذه المساعي تنطوي بالفعل على خطورة وشكوك كثيرة تعتمد في الجزء الأكبر منها على شخصية قائد طالبان المسيطر على منطقة بعينها، فإنه يبقى من الممكن تعزيز التعليم والتنمية، حال تنفيذ ذلك من دون مشاركة غربيين وعبر التشاور الوثيق مع السكان المحليين.

المعروف أن المدارس الحكومية تتعرض لإضرام النيران فيها باستمرار، لكن سكان القرى أخبروني أن السبب وراء ذلك هو أن هذه المدارس يجري النظر إليها كمؤسسات غريبة بنتها أطقم بناء أجنبية. في المقابل، تتولى منظمة«كير» إدارة 300 مدرسة بأفغانستان ولم تتعرض واحدة منها للحرق، حسبما ذكرت المنظمة. من ناحيته، دعم «المعهد الأفغاني للتعليم»، الذي تديره سيدة أفغانية قوية تدعى سكينة يعقوبي، أكثر من 300 مدرسة ولم يتعرض أي منها للحرق، حسبما أعلن المعهد. وتدير منظمة مساعدات أخرى عظيمة، «براك» (BRAC)، مدارس ومستشفيات وبرامج لتمويل الشركات الصغيرة - وتعمل داخل كل إقليم من أقاليم أفغانستان.

وهناك أيضا «الشراكة العالمية من أجل أفغانستان»، ومقرها نيويورك، وتساعد القرويين الأفغان في تحسين إنتاجية محاصيلهم داخل أكثر مناطق البلاد استقرارا، بل وأرسل بعض قادة طالبان يدعون المنظمة للمشاركة في المناطق التي يسيطرون عليها.

وأشار مورتنسون إلى أن 243 مليون دولار مطلوبة لتمويل جميع مؤسسات التعليم العالي في أفغانستان هذا العام. واقترح أن تعقد واشنطن من أجل ذلك مؤتمرا صحافيا في العاصمة الأفغانية وتعلن إعادة 243 جنديا فقط من إجمالي 100.000 جندي أميركي في أفغانستان (تبلغ تكلفة الواحد منهم مليون دولار سنويا) للوطن. وبعد ذلك، يمكنها تسليم الأموال التي ادخرتها من وراء القرار إلى الجامعات الأفغانية.

إن القوة العسكرية أساسية، لكنها محدودة فيما يمكن أن تحققه من أهداف. وهناك أدلة كبيرة تشير إلى أنه بينما يمكن أن تتسبب القنابل في زرع الكراهية في القلوب، يمكن للتعليم إحداث تحول بها.. وهذا هو التوجه البراغماتي الحقيقي.

* خدمة «نيويورك تايمز»