العقدة والحل

TT

لم يجرؤ أحد من ساسة العراق على أن يجيب عن السؤال الكبير الذي يطرح في الشارع العراقي بقوة منذ أشهر كثيرة: لماذا تأخر وسيتأخر أكثر تشكيل الحكومة العراقية؟ وللإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نعرف أولا أين تكمن العقدة التي لا أحد يريد أن يعلنها صراحة، لكنه يتداولها ليل نهار مع نفسه ومع المقربين منه.

أين تكمن عقدة تشكيل الحكومة العراقية؟ هذا السؤال لا يحتاج لفترة طويلة بغية الإجابة عنه؛ فالجواب معروف: هو في تسمية رئيس الوزراء، هذا المنصب الذي يمتلك بموجب الدستور صلاحيات كثيرة بموجب المادة «77»: «تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، والخطط العامة، والإشراف على عمل الوزارات، والجهات غير المرتبطة بوزارة، واقتراح مشروعات القوانين، وإصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات، بهدف تنفيذ القوانين، وإعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية، والتوصية إلى مجلس النواب، بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة، ورئيس أركان الجيش ومعاونيه، ومن هم في منصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات الوطني، ورؤساء الأجهزة الأمنية، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، والتوقيع عليها، أو من يخوله».

هذه الصلاحيات تجعل من هذا المنصب محط أنظار الجميع لأسباب كثيرة؛ في مقدمتها أن من يكون رئيسا للوزراء في إمكانه كسب الكثير من المؤيدين خلال السنوات التي سيقضيها في هذا المنصب، خاصة إذا ما توفرت له كتلة برلمانية تدعمه في سن وتشريع القوانين التي من شأنها رفع مستوى الخدمات والمستوى المعيشي للمواطنين، وستجير هذه الإنجازات بالتأكيد لشخص رئيس الوزراء وفق منظور الشعوب الشرقية ومنها الشعب العراقي الذي دائما ما يربط الإنجازات بالشخصيات السياسية.

وهذا خطأ كبير يقع فيه ساسة العراق الآن، خاصة أن نتائج الانتخابات كانت مؤشرا على عكس هذا التوقع أو الإحساس، حيث حصلت القائمة العراقية على 91 مقعدا وهي ليست القائمة التي كانت تحكم العراق في السنوات التي سبقت الانتخابات الأخيرة؛ بل هي من سحبت وزراءها من الحكومة المنتهية ولايتها، في حين حصلت قائمة دولة القانون على 89 مقعدا وهي على قمة الهرم الحكومي منذ عام 2006 متمثلة في شخص رئيس الوزراء نوري المالكي. إذن، هذا المعيار يبدو ضعيفا في كسب الناخب العراقي من جديد في عام 2014 ولا يخضع بالتأكيد لمقاييس مدى وجود هذا الحزب في الحكومة أو خارجها.

ولكن لا أحد يعي حقيقة كيفية تشكيل الحكومة العراقية في ظل دستور 2005 الذي يحتاج فيه منصب رئيس الجمهورية إلى ثلثي أعضاء البرلمان بموجب المادة «67» أولا: «ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسا للجمهورية، بأغلبية ثلثي عدد أعضائه». وهذه الأغلبية الكبيرة المطلوبة لا تعني سوى حالة واحدة فقط وهي تقاسم المناصب بين الأحزاب والكتل ولا يعني بالتأكيد تقاسم الصلاحيات، لأن هذا يحتاج لمادة دستورية تنص على هذا ولا يمكن أن تكون عن طريق التوافقات حتى وإن كانت توافقات خطية بسبب غياب الثقة بين الأحزاب والكتل.

والدستور العراقي في هذا الجانب خاصة يؤكد ضمنا واستنتاجا وواقعا على مبدأ الشراكة في قيادة البلد من خلال النسب المطلوبة لمنصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من دون أن يمنح توازنا في الصلاحيات بين هذين المنصبين. البعض طرح مشروع تقاسم صلاحيات رئيس الوزراء، وبالتأكيد هذا يحتاج لتعديل دستوري لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تشكيل الحكومة الجديدة وتقديم مشروع تعديل للدستور يحظى بموافقة البرلمان والاستفتاء العام، أي لن يتحقق هذا دستوريا إلا في الدورة البرلمانية المقبلة، كما أنه أمر غير ممكن من الناحية العملية لأنه سيجعل الدولة برؤوس عدة بدل رأس واحد.

وهنا علينا أن نؤكد حقيقة مهمة تتمثل في أن النظام البرلماني المعتمد حاليا يضع البلد مع كل دورة انتخابية في مأزق، لهذا حري بنا أن نناقش البحث عن نظام آخر، مثل النظام الرئاسي الذي طرح في فترة ماضية ولم يجد من يستجيب له حتى على مستوى الإعلام، لكنه بالتأكيد نظام فيه من الإيجابيات ما يصلح لبلد مثل العراق، خاصة أنه نظام معمول به في أغلب الديمقراطيات العريقة في العالم، سواء في أوروبا أو أميركا. وبالتالي علينا أن نكون أكثر جرأة في تشخيص أسباب تأخير تشكيل الحكومة العراقية حتى هذه اللحظة، لأن دقة التشخيص جزء مهم من إيجاد العلاج المناسب لأزمة قد تكرر مع كل دورة برلمانية، كما حدث الآن.

* كاتب عراقي