يد تضرب الهواء

TT

قال كاتب أميركي مرة إن اسم عائلته سبّب له عقدا نفسية لا نهاية لها. فالاسم يبدأ بآخر حرف من الأبجدية، لذلك كان ينادى عليه دائما في المدرسة والملاعب الرياضية وركوب الباصات، آخر اسم في المجموعة. أتذكر ذلك دائما وأنا أتابع عمل وحياة ونكد ويأس الرجل الآدمي والطيب المعروف بـ«أبو مازن».

بسبب طبعه وأخلاقه وتواضعه، كان دائما آخر الصف. لمعت جميع أسماء «مجموعة الكويت» في حركة فتح، فيما كان هو يعمل في قطر. وتقدم جميع الرفاق القدامى نحو المناصب والسلطة، فيما كان لا يزال في قطر، يوم كانت بعيدة ومنسية، وقبل أن تدخل هي أيضا عالم الأضواء وفضاء السياسة العربية والعالمية.

وعندما وصل الرئيس محمود عباس إلى السلطة وجد في انتظاره إرثا أكثر تعقيدا من «قضية الشرق الأوسط»: أوسلو مفرغة من معناها، ودولة موازية في غزة، وعالما عربيا فقد الاهتمام السابق بالفلسطينيين بسبب الفساد والانقسام، وأمة عربية خالدة لكنها في الوقت الراهن مفككة ومعذبة وغارقة في الخراب. واكتشف أن فلسطين كانت «قضية العرب الأولى» كما تقول أكداس الخطب والمقررات والأغنيات والمواويل، وأنها أصبحت الآن قضية إيران الأولى والأخيرة.

كان الزعيم الراحل ياسر عرفات يتضايق من أبو مازن كلما تذكر أن الرجل سوف يخلفه. وكان يبعده ويقربه أحيانا. ولم يكن أحد يعرف ما يعرفه أبو عمار في سره: أي عرب وأي أميركا وأي إسرائيل ترك لمحمود عباس. ترك له أمة مشرذمة، وأسرة دولية عنّينة، وعدوا سوف ينتخب عوفاديا يوسف حاخاما وأفيغدور ليبرمان رئيسا «للدبلوماسية»، من أجل أن يعرف الجميع، مسبقا، أي دبلوماسية تمارس إسرائيل.

أن يجيء زعيم فلسطيني بعد وهج ياسر عرفات وعناقاته وعنفه وابتساماته وثورته ومصافحاته وزئبقياته وحدته وملاطفاته، فإن هذا حظ عاثر. كان أبو عمار يشبه قضية الشرق الأوسط وحال العرب وضباب الأسرة الدولية وأوركسترا إسرائيل الماسية بقيادة شيمعون بيريس. محمود عباس رجل مباشر، وأب متعب، كثير الذكاء، قليل الدهاء.. وبالتالي قليل الحيلة. كان الله في عون محمود عباس.