من معالم الرياض

TT

يمكن الكتابة عن الرياض من زاوية جديدة، هي أن عدد سكانها فاق عدد سكان لبنان، أو من حيث حركتها العجيبة مثل حركة نيويورك، وزحمة سيرها في السابعة صباحا مثل زحمة سير نيودلهي. ويمكن أيضا الكتابة عنها من زاوية قديمة، وهي أن أميرها لم يقم فقط أوسع حركة عمران في العالم العربي خلال نصف القرن الماضي، بل أقام منذ اللحظة الأولى ثقافة العمل الإنساني. ومن أجل أن يبدأ بنفسه، أنشأ كبرى المؤسسات الخيرية، ثم تبعه أبناؤه، سلطان وعبد العزيز وفيصل ومحمد بن سلمان، وصار لكل منهم مسؤولية ومؤسسة.

الأسبوع الماضي عرف الأمير سلمان بن عبد العزيز أن الشيخ خالد الإبراهيم تبرع بمليون ريال لمشروع أهلي، فطلب نشر الخبر على الملأ. ولما سأله الشيخ خالد عن الأمر، قال له: «ليس من أجلك، ولكن يجب أن نشجع جميع القادرين على تحويل هذه المبادرات إلى ملك عام وتقليد دائم».

تعطي السعودية انطباعا عاما أنه ليس فيها محتاجون وأهل عوز. وليس ذلك بصحيح. وما من دولة في العالم في غنى عن الأعمال الإنسانية، فردية أو جماعية. وثمة خيرون كثيرون، لا نعرف عنهم جميعا. ولم أفاجأ عندما علمت من بعض الذين كان الراحل غازي القصيبي يقدم لهم المساعدات، أنه طلب في وصيته أن تستمر المساعدة من بعده، ولو على نطاق أضيق.

أيام كان الشيخ جميل الحجيلان سفيرا في باريس، أنشأت حرمه السيدة كرم، جمعية لمساعدة أطفال البوسنة. وعندما عاد إلى هنا تحولت الجمعية إلى مساعدة الأيتام في المدينة. وسألت أبا عماد عن أحوال المؤسسة، فقال إنها قدمت إلى الآن مساعدات بقيمة 25 مليون ريال. لكن الأهمية ليست في المجموع، بل في التفاصيل: 98 في المائة من المتبرعات، سيدات متواضعات الحال. ويروي الشيخ جميل، مكابرا دمعته، أن زميلة كاتبة جاءت ذات يوم تزور مقر الجمعية، ولكثرة ما تأثرت، أرسلت في اليوم التالي شيكا بمائة ألف ريال. ولم تتوقف عند ذلك، بل طلبت أن تتبنى باستمرار، حالة ما.

يستطيع المرء أن يرى معالم المدينة في الجادات الواسعة وناطحات السحاب، ويستطيع أن يراها حيث لا ترى، أي حيث تتبرع زميلة طيبة براتب عدة أشهر، متأثرة بمشهد إنساني محزن. وقد أصبحت أقرأ الكاتبة التي قرأتها دائما، بتقدير أعمق. وصرت أدرك ماذا تعني عندما تكتب في سمو النفس البشرية.