قبل فوات الأوان

TT

القدس - من بين إخفاقات السياسة الخارجية لإدارة أوباما، يأتي المسار السريع الذي اتخذته جهودها الدبلوماسية في الشرق الأوسط على رأسها.

في الواقع، لا يتعين على أي رئيس أميركي استثمار ثقله الشخصي في إطلاق محادثات مباشرة بين القادة الفلسطينيين والإسرائيليين عندما يكون واضحا أن هذه المحادثات ستجهض في غضون أسابيع لاحقة بسبب قضية معينة - بناء مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية - ظلت قابعة كعقبة كبرى منذ فترة بعيدة.

لكن هذا ما فعله الرئيس باراك أوباما لتوه، مما سمح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن يرفض بتعال طلبا شخصيا للرئيس بتمديد قرار تجميد بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية لخدمة مصلحة التفاوض. وبطبيعة الحال، لا يمكن أن تولد فلسطين إذا ظلت أراضيها المفترضة في تآكل.

وتسببت المشاعر السلبية التي أثارها هذا القرار المفتقر إلى الحرفية في إثارة جو عام من اليأس حول المفاوضات الأميركية - الإسرائيلية، بشأن طبيعة التنازلات المطلوبة والضمانات والمعدات العسكرية.. إلخ.. مما يمكن لواشنطن أن تعرضه على إسرائيل مقابل تمديد التجميد لـ60 يوما، مثلا.

ويتمثل المؤشر الإيجابي الوحيد في أنه ليس هناك، على ما يبدو، من يرغب في القضاء على هذه العملية نهائيا. وقد أعطت الدول العربية واشنطن فرصة حتى مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) حتى تنهي مقايضاتها مع إسرائيل، وضغط الفلسطينيون من أجل اتخاذ قرار بالتجميد وليس الوقف، بينما تتطلع إسرائيل لتحقيق ميزة تكتيكية. وأنا أتوقع أن تحقق هذا بالفعل. وفيما يلي عرض لـ10 مؤشرات مهمة:

1) تحتاج واشنطن، في إطار سعيها لإقناع إسرائيل بالعودة لطاولة التفاوض، إلى التحلي بحذر بالغ كي لا تثير مشكلة مناقضة تتمثل في تجاوز الخطوط الحمراء الفلسطينية. وسيؤدي صدور وعد أميركي بتأييد وجود أمني طويل الأمد بمنطقة غور الأردن الاستراتيجية - إحدى الأفكار المطروحة ـ إلى ذلك. وقد ذكر أحد المسؤولين الأوروبيين البارزين أنه «يمكنك التحلي بإبداع بالغ حيال قضية الأمن شريطة ألا يصحو الفلسطينيون في اليوم التالي لإنشائهم دولتهم ليجدوا أنفسهم قيد الاحتلال».

2) إذا بالغ الفلسطينيون باختيارهم توجها انفراديا، فإنهم سيضيفون بذلك خطأ كبيرا آخر لفصل طويل من الأخطاء الاستراتيجية. إن هجر المفاوضات لصالح السعي وراء نيل الاعتراف بالاستقلال من كيانات دولية مثل الأمم المتحدة سيدفع الفلسطينيين نحو نفق مظلم، خاصة أن هذا الاعتراف، حال نيله، لن يفتح طرقا، ولن يوصل إمدادات مائية، ولن ينشئ موانئ بحرية أو جوية أو يعزز الأمن أو يدفع الجنود الإسرائيليين للرحيل أو ينقل الفلسطينيين من الشعور بالسقوط ضحية الظلم إلى سيادة مستدامة. في الواقع، هذا «حل» لا يحل شيئا.

3) ضغوط نتنياهو لدفع الفلسطينيين للاعتراف بإسرائيل كـ«دولة يهودية» لا تمثل بداية طيبة. لقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، ولن تتعمق في تحديد طبيعة الدولة الإسرائيلية. في الحقيقة، مسألة الإصرار على «الدولة اليهودية» مجرد محاولة لتسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين قبل مناقشة قضايا الوضع النهائي مثل الحدود. ولا يمكن لهذا الأمر أن ينجح. من جانبه، أعلن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، أن التوصل لاتفاق تاريخي سيسوي جميع «المطالب التاريخية»، في إشارة إلى اللاجئين.

4) يقف نتنياهو في الوسط السياسي الإسرائيلي الجديد، المائل إلى اليمين لما كان عليه منذ 5 سنوات. ولا يزال الخطاب الإسرائيلي الجامد مستمرا: لقد أزلنا مستوطنات من غزة، وانظروا ماذا جنينا: صواريخ «حماس»!.. وهذا هو المنظور الذي يجري من خلاله النظر إلى مسألة الانسحاب من الضفة الغربية. ورغم أنه يمكن دحض هذا الخطاب، فإنه يبقى قائما. لذا، يتحتم على الفلسطينيين التعامل معه. إن تعطشهم للسيادة يكافئه إصرار إسرائيل على الأمن. وهنا تكمن فرص إحلال السلام.

5) هناك حقائق على الأرض والعملية السياسية، ويجب أن تدعم الأولى الثانية. في الواقع، الحقائق القائمة داخل الضفة الغربية مشجعة للغاية. لقد تعامل الفلسطينيون بجدية مع قواتهم الأمنية، واعترفوا بأنه لا يمكن قيام دولة من دون إقرار حكم القانون، أو في ظل وجود ميليشيات متعددة. وينبغي أن تبدي إسرائيل نشاطا أكبر في توسيع المناطق التي يمكن للقوات الأمنية الفلسطينية العمل فيها وإتاحة حرية التنقل وتيسير الطريق أمام الاستثمارات.. وهذا هو السبيل لدعم فلسطين التي تبغيها.

6) مالت الدول العربية الاستبدادية بعيدا عن النظر للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني كأداة مفيدة لتشتيت الانتباه، ونحو النظر إليه كقضية تغذي «جبهة ممانعة» مدعومة من إيران وتثير حالة من عدم الاستقرار. ورغم أنها لن تخطو الخطوة الأولى، فإنها ستدعم اتفاق سلام يلزم إسرائيل بالعودة لحدودها عام 1967 مع الاتفاق على مقايضة أراض.

7) جميع الجهود الفلسطينية بالضفة الغربية موجهة نحو إقامة الدولة في غضون عام. وقد حدد أوباما هدفا مشابها وأقرته قوى دولية كبرى. وإذا بدا أن الإنجازات الكبرى التي حققها الفلسطينيون بمجال بناء المؤسسات ذهبت سدى، سيشتعل الغضب مجددا ويتحول لأعمال عنف تضر أصحابها.

8) حال وجود زخم كاف بحلول النصف الثاني من العام المقبل يوحي بتحرك قطار إقامة دولة فلسطينية، فإن غالبية الفلسطينيين في غزة سينضمون إلى ركابه. حينئذ سيتحول السلام لمعضلة سياسية بالنسبة لحماس. يمكن للفلسطينيين تسوية خلافاتهم الداخلية، لكن لن يتحقق ذلك إذا حرم قصرُ النظر الإسرائيلي المعتدلين منهم من نفوذهم.

9) لن تظهر دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. ولم يتحدد بعد أسلوب تعريف «القدس الشرقية».

10) هذه أفضل فرصة أخيرة لتحقيق السلام في المستقبل المنظور، ويتطلب استغلالها قدرا بالغا من الشجاعة والإقدام على المخاطرة من الجانبين. لذا، فإنه يكاد يكون من المؤكد أنها ستهدر.

* خدمة «نيويورك تايمز»