تركيا وإسرائيل: هواجس خفية

TT

الهواجس الخفية للعلاقة بين تركيا وإسرائيل كانت وما تزال مصدرا للقلق والتوتر لدى إيران وسورية، فقد وجد الجانبان دائما هذا التحالف الشبه الاستراتيجي موجها ضدهما ونحوهما خاصة فيما يتعلق بالأبعاد السياسية والعسكرية، مما خلق لهما امتعاضا ملحوظا تجاه نوايا البلدين في منطقة الشرق الأوسط. ودفع هذا التلاحم بين أنقرة وتل أبيب رجالات الدولة في إيران وعن طريق دمشق إلى محاولة فتح صفحة علاقات جديدة وقوية مع بعض الدول العربية بحيث تزامنت هذه النزعة الإيرانية مع بوادر التغيير في الأزمة الأخيرة بين تركيا وإسرائيل خاصة مع صعود رجب طيب أردوغان وبالذات في الفترة التي وصف فيها أردوغان الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بأنها «إرهاب دولة»، وأنها تماثل معاناة اليهود في إسبانيا.

هذا الامتعاض التركي تلته شكوك الأتراك حول النوايا الإسرائيلية في المنطقة. ومن جانب آخر فإن التوجه الإسلامي للدولة التركية يفرض عليها انفتاح علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي من أجل موازنة طلبها في العضوية غير المضمونة في الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يفسر حرص تركيا العلمانية لترشيح نفسها لرئاسة المؤتمر الإسلامي ودعم مكانة أنقرة وثقلها السياسي في نفس الوقت لدى أوروبا والولايات المتحدة خاصة في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير..

وفي المقابل شكلت حكومة بغداد بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين تحديا علنيا لدول الجوار العراقي سواء ما يتعلق بتوجهاتها المحتملة لسياساتها الخارجية وانعكاس ذلك على دول تعاديها ماكينة الرقابة السياسية في البنتاغون وتهددها إسرائيل ووجود قوات أميركية على شكل قواعد وثكنات عسكرية على أراضيها في إطار الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن في عام 2008. وبالتأكيد فإن هذه القواعد العسكرية على مقربة من أهداف حيوية إيرانية أو سورية وقد تمخضت عن هذه الخطوة حالة ترقب لما يجري لدى دمشق وطهران ومعهما تركيا تجاه العراق الجديد وتعزيز دورهم في صياغته كضمانة مستقبلية لأمنهم.. وهكذا فرضت الحالة العراقية الجديدة بتفاعلاتها الداخلية وتحدياتها الخارجية على هذه الدول الثلاث التنسيق فيما بينها لكي لا يؤثر الوضع الحالي العراقي على استقرار تلك الدول خاصة مع إمكانية إعطاء أكراد العراق حق المشاركة في تقرير مصيرهم.. وهنا فإن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو: هل ستكون الحكومة العراقية الحليفة مع أميركا مخلب قط لواشنطن ضد التعامل مع إيران وسورية أم تتحول إلى نقطة توازن تدفع إلى تحسن العلاقات بين العواصم الثلاث..

ولعبت المسألة الكردية دورا حيويا وأهمية خاصة في العلاقات الإيرانية التركية السورية إلى درجة أن البعض أطلق على تسميته تكريد الصراع أو تطويل أمده وذلك بسبب مخاوف دول الجوار العراقي من منح أكراد العراق فدرالية كاملة قد تنتهي في يوم ما باستقلال كامل.

وتجدر الإشارة إلى أن الجانبين الإيراني والسوري قد تمتعا بعلاقات وثيقة مع الأحزاب الكردية طوال حكم صدام حسين ومع حزب العمال الكردستاني وبفضل هذه العلاقة تمتعت إيران وسورية بضمانات أمنية بعدم استخدام الإقليم الكردي كمنطلق للهجمات عليهما داخل المناطق الكردية لذا انصب الاهتمام من قبل أكراد العراق على الجبهة التركية..

وتجد واشنطن في أكراد العراق حليفا مناسبا لمواجهة المد الشيعي الصاعد والذي يعتبره البعض امتدادا للنفوذ الإيراني ومحاولة تكوين وحدات كردية قادرة على اختراق جماعات المقاومة السنية والشيعية، كما أن هذا الوجود ربما سيشكل تهديدا للأمن السوري من خلال الأكراد الموجودين في سورية. وبالتالي توازن الولايات المتحدة بين الضغط على شمال إسرائيل من قبل حزب الله بضغط مقابل على شمال سورية عن طريق أكراد سورية. واستنادا إلى هذه الرؤية المستقبلية فقد حدث تحسن ملحوظ بين سورية وتركيا من جهة وتركيا وإيران من جهة أخرى وحدث ما يشبه مراجعة تركية للتحالف مع إسرائيل.

وأخيرا نقول: إذا كان القلق والمخاوف والمصالح تدفع نحو تقارب إقليمي في تجمع ثلاثي (تركي - إيراني - سوري)، فإن تقدمه وتطوره بل وتوسعه ليس أمرا سهلا ولا يرتبط الأمر فقط بالإرادة السياسية للأطراف الداخلية في المعادلة بل يتعلق أيضا بطبيعة القوى الإقليمية والدولية التي تناهض هذا التقارب للحفاظ على أهدافها.

* كاتب كردي عراقي