مصر.. برافو يا وزير الإعلام

TT

نعم، برافو للوزير لأنه خاض معركة إعادة تنظيم أوضاع القنوات الفضائية المنفلتة من عقالها في مصر بكل شجاعة، فهل المطلوب أن تنتظر مصر حتى تتأزم الأوضاع هناك لتصل إلى ما وصلت إليه في الكويت في قضية قناة «سكوب»، من اعتداء وحمل سلاح؟ بالطبع لا.

ولذا فإن إغلاق وإعادة تنظيم عمل تلك القنوات بمصر كان أمراً ملحاً لأنه بات يستهدف السلم الاجتماعي، والاستقرار، وهنا لا بد أن نقول إنه لا فرق بين من يروج للعنف والتطرف أو يروج للشعوذة والانحلال الأخلاقي؛ فالإعلام ليس مسرحاً للرذيلة، ونشر الأكاذيب، وبث التخلف، كما أن الحرية مسؤولية، بل وقيد، ومشكلتنا في الإعلام العربي أننا نعاني من انفلات، حيث نقلت أحاديث المقاهي لصدور الصفحات، ونشرات الأخبار، والبرامج الحوارية، وباتت الفضائيات أوكار تطرف، فالإعلام الذي ارتقى بنا لبرهة من الزمان، وفتح أعيننا على العالم، مثله مثل التعليم، عاد لينحط بنا إلى أسفل السافلين، وباسم الحرية، فهل على مصر أن تنتظر لتصل لذلك!

اليوم هناك آفة أخرى اسمها صحافة الإنترنت وهي دليل واضح على التخلف الذي يضرب منطقتنا، فهناك من ينظر لانفلات الإنترنت على أنه حرية، وهذا غير صحيح، فحتى في الغرب لا يمكن لك أن تكتب في الإنترنت، ولو على مدونتك الخاصة، ما يسيء للآخرين دون بينة، بل لا يمكن لأي موقع أن يقوم بإعادة نشر أي مقال دون إذن قانوني ومقابل مادي، ولذا فليس هناك انفلات في الغرب على الإنترنت مثل ما يحدث في منطقتنا، فمن يريد إنشاء موقع صحافي على الإنترنت عليه أن يدفع أموالا طائلة مثله مثل المؤسسات الإعلامية التقليدية، وليس عمل خفافيش ظلام مثلما يحدث لدينا، ونقلا من الصحف واعتداء على حقوق الملكية بشكل سافر.

ولذا نشيد اليوم بوزير الإعلام المصري، وبشجاعته، وأكتب ذلك وأنا لم ألتق الوزير إلا مرة واحدة بمكتبه قبل فترة ليست بالقصيرة، ولم تتكرر أصلا، لكن ذلك لا يمنع أن نقول الحق؛ فحجم الفوضى الإعلامية بمنطقتنا أصبح أمراً لا ينبغي السكوت عنه، خصوصاً أن مفهوم الحرية بات مشوهاً في منطقتنا بشكل مرعب.

وكم هو محق كاتبنا الراقي الدكتور محمد الرميحي عندما كتب أمس في صحيفتنا مقالا بعنوان «في الكويت.. مخاطر الإعلام غير المحسوبة» حيث يقول: «الانتشار الإعلامي الكثيف في الفضاء العربي بشكل عام جاء على حساب المعايير القيمية والمهنية والمعرفية والأخلاقية والاجتماعية، وتعددت وسائل الاتصال من خلال المواقع الإلكترونية أو الرسائل الهاتفية النصية، حتى لم يعد المواطن الكويتي يعرف أين الحقيقة من الإشاعة، وهي ظاهرة تكاد تتماثل في بلدان عربية عديدة».

وهذا صحيح، فالإعلام في منطقتنا، للأسف، لا يزال مهنة من لا مهنة له، وكما قلت مراراً فهو مهنة فهلوة لا علم، بل وهو مهنة «الوثب العالي»، فقط ادخل الإعلام وحقق مصالحك بأنواعها، حسب مستوى المستفيد، دون اكتراث للحقائق، أو فهم للمسؤولية المترتبة على الحرية.

ولذا نقول: برافو يا وزير الإعلام المصري.

[email protected]