هل يمكن للغارات الجوية أن تنقذ الأرواح في أفغانستان؟

TT

توضح التقارير الواردة هذا الشهر حول شنّ غارات جوية، من أجل دفع قادة حركة طالبان نحو الجلوس على مائدة المفاوضات، أنه قد حان وقت مراجعة السياسة المثيرة للجدل، التي تضع قيودا على القوات الجوية، في الحرب الأفغانية.

وقد تصاعد عدد القتلى من المدنيين منذ أن تم الحد من الغارات الجوية في يونيو (حزيران) 2009 بزيادة غير متوقعة، قدرها 31 في المائة، في 2010، مقارنة بالعام الماضي، الذي تخطى فيه عدد القتلى الرقم القياسي. وكذلك من المؤسف أن يسجل عدد الضحايا من القوات الأميركية وقوات المعاونة الأمنية الدولية أعلى معدلاته.

وعلى الرغم من الخسائر البشرية الضخمة، يشير أحد تقارير الأمم المتحدة الصادر في يونيو (حزيران) إلى استمرار تدهور الحالة الأمنية.

كل فرصة ضائعة لضرب مقاتلي حركة طالبان وتنظيم القاعدة تعني تركهم على قيد الحياة، والسماح لهم بقتل المزيد من المدنيين الأفغان الأبرياء والأميركيين الشبان والجنود من قوات التحالف التي تم إرسالها لحمايتهم، واستمرار الإرهابيين في تهديد أمن البلاد.

إن أي حالة وفاة من المدنيين مؤلمة، لكن الأبحاث تشير إلى أن الغارات الجوية نادرا ما تكون سبب الوفاة، فبحسب دراسة نشرها المكتب القومي للبحث الاقتصادي تحت رعاية الولايات المتحدة في يوليو (تموز)، وقع 6 في المائة فقط من قتلى النساء والأطفال الأفغان نتيجة الغارات الجوية التي تشنها قوات المعاونة الأمنية الدولية. وتتساوى هذه النسبة مع نسبة ضئيلة ذكرت في دراسة عن الحرب في العراق، نشرتها مجلة «نيو إنغلاند أوف ميديسن» عام 2009.

وبصيغة أخرى، لم تكن الغارات الجوية السبب في سقوط أغلبية القتلى من المدنيين في كل من العراق وأفغانستان منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001. ويوضح تقرير المكتب القومي للبحث الاقتصادي أن عدد النساء والأطفال الذين قتلوا في حوادث سير بسبب مركبات تابعة لقوات المعاونة الأمنية الدولية أكبر من عدد الذين قتلوا بسبب القذف الجوي بمرتين ونصف المرة. ولا ينبغي تصديق المزاعم بأن وجود قتلى من المدنيين يخلق تلقائيا المزيد من الأعداء، وتدحض حركة طالبان نفسها هذه النظرية. على الرغم من أن المتمردين مسؤولون عن قتل 67 في المائة من القتلى المدنيين، بحسب ما أفاد به تقرير الأمم المتحدة الصادر في أغسطس (آب)، إلا أن قوة حركة طالبان ما زالت متنامية.

لكن لم يوضح تقرير المكتب القومي للبحث الاقتصادي أن المسلحين يعانون من تأثيرات سلبية ملموسة، نتيجة ما يقترفونه من قتل للمدنيين. وقد ذكر الصحافي، بين أرنولد، في أبريل (نيسان) في «كريستيان ساينس مونيتور» أنه لا توجد دلالات كثيرة تؤكد أن وجود قتلى من المدنيين قضوا على أيدي حركة طالبان «قد عاد بالسلب على الحركة حتى الآن». بالإضافة إلى ذلك، صرح الخبير الأفغاني جيريمي شابيرو أمام حشد بمعهد «بروكينغز» الخريف الماضي، قائلا إنه على الرغم من تسليط الحكومة الأفغانية الضوء على الضحايا المدنيين للحصول على أموال من قوات المعاونة الأمنية الدولية، فإنه يعتقد، استنادا إلى خبرته، بأن الكثير من المسؤولين الأفغان «لا يميلون إلى القلق بهذا الشأن إلى حد ما». ويعتقد كذلك أن قضية الضحايا المدنيين «التي لها أصداء واسعة (في الولايات المتحدة وأوروبا).. لا ينظر إليها الأفغان على ما يبدو باعتبارها قضية رئيسية».

وبغض النظر، تعد قضية الضحايا المدنيين من القضايا الرئيسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ومن الواضح أن القوة الجوية ليست الرد الشافي، لكن يمكن التخلص من أخطر التهديدات التي تواجه مدنيين لا ذنب لهم، من خلال استخدام القوة الجوية ضد خصوم قساة القلوب.

كذلك أوضح استطلاع للرأي أجري في يونيو (حزيران) بين الأفغان في المنطقتين المهمتين، قندهار وهلمند، أنهم يكرهون وجود القوات الأجنبية بينهم، وحيث إن الاستراتيجية البرية التي وضعناها تستهدف ذلك، فلن يحقق استمرار زيادة عدد القوات سوى المزيد من المقت والاستياء، فوجود ما يعتبره الأفغان محتلين أجانب، وليس وجود قتلى من المدنيين، هو أكثر ما يوحد حركة طالبان، ويمثل دافعا لوجودها.

تقلل القوة الجوية الحاجة إلى وضع جنودنا، الذين نقدر أرواحهم، في طريق المتفجرات المنتشرة، التي تتسبب في مقتل وإصابة المزيد من جنود قوات المعاونة الأمنية الدولية أكثر من أي شيء آخر.

وتحقق القوة الجوية نتائج طيبة، حيث نجحت زيادة عدد القوات في العراق عام 2007 في تحقيق الهدف المرجو فقط عندما تمت زيادة الغارات الجوية بمقدار خمس مرات.

وبالطبع هناك حاجة إلى الالتزام الشديد بالقانون وإنقاذ الأبرياء كلما سنحت الفرصة، لكن إن كنا نريد حقا تقليل عدد القتلى من المدنيين ومن القوات التي نلقي بها في طريق المهالك، فينبغي علينا إعادة التفكير في إطلاق أكثر الأسلحة إرهابا للمتمردين، ألا وهو القوة الجوية، في الوقت الذي تعيد فيه إدارة أوباما تقييم سياستها داخل أفغانستان.

* جنرال قوات جوية متقاعد وأستاذ زائر بكلية الحقوق بجامعة ديوك وعضو مجلس المستشارين في مركز «نيو أميركان سيكيوريتي»

* خدمة «واشنطن بوست»