بشرى أخرى من البشير

TT

في خطاب آخر للمشير البشير، سمعناه يقول إنه مهما كانت نتائج الاستفتاء في الجنوب فتلك لن تكون نهاية العالم. ويترك لنا الرئيس السوداني أن نفهم، ما إذا كانت القضية المطروحة هي نهاية العالم أم نهاية السودان المستقل كدولة موحدة.

يحاول الرئيس البشير أن يعد مواطنيه، على الأرجح، لما يعرفون ويتوقعون. الذي لا يريد البشير معرفته هو أن السودانيين من أكثر شعوب العالم تسييسا. ولا نعرف إن كان ذلك لصالحهم أم ضده، لكنه بكل الحالات ليس في صالح الحكم. بدل أن يكون السودان تاريخا من الاستقرار، تحول منذ أول انقلاب عسكري، إلى سلسلة طويلة من التجارب. مرة في اليسار ومرة في اليمين ومرة في الفراغ. وكانت الانقلابات والانقلابات المضادة تشبه في وتيرتها حركة الانقلابات في العراق، بما فيها الفصل المتعلق بذبح الشيوعيين، وهي مرحلة كانت دولية آنذاك، تم فيها ذبح الشيوعيين في العراق والسودان وإندونيسيا وأنغولا وسواها.

لكن التجارب في الخرطوم لم تتوقف، حتى ضمن الحزب الواحد، كما هي تحولات جماعة الدكتور حسن الترابي. وكل نظام عسكري عمد منذ وصوله إلى إبعاد أو طرد أو عزل أو نفي القوى السياسية التي تكون منها السودان المستقل، كالمهديين والختميين، والمستقلين. وشارك العسكر الإسلاميين أيام النميري ثم انتفضوا عليهم ثم تكرر المشهد مع البشير. وبلغت التجارب المخبرية ذروتها عندما احتضنت الخرطوم كارلوس راميرز وفي الوقت نفسه احتضنت أسامة بن لادن. واحد قادم من عند كارل ماركس، وواحد يؤسس «القاعدة» في أفريقيا، التي ستنطلق منها أولى هجماتها.

منذ وصول العسكريين وطرد الحكم المدني، والسودان يحارب. مرة حرب أهلية ومرة وحدة مع مصر ومرة حرب مع مصر ومرة دارفور ومرة جيش تحرير السودان ومرة علاقة خاصة مع أميركا ومرة علاقة خاصة مع أعدائها، ومرة عسل بين الشمال والجنوب ومرة حرب بلا نهاية بينهما، والخلاصة يا مولاي أن نتائج الاستفتاء لن تكون نهاية العالم، وهذا خبر سعيد طبعا، ما هو أقل سعادة، هو ألا تكون نهاية التجارب التي حملها العسكريون على ظهور الدبابات.