إيران وكردستان «العراق».. هل بدأت المفاصلة؟

TT

كان متوقعا حدوث تدهور في العلاقات الإيرانية الكردية قبل هذا الوقت، غير أن الكرد منشغلون بهموم آمالهم، والمحافظة على المكتسبات التي حققوها. وأكسبتهم عقود الصراع خبرة سياسية تجعلهم يتفادون صراعا غير ضروري من وجهة نظرهم. لذلك، لم يتفاعلوا بما فيه الكفاية للرد على الاعتداءات الإيرانية المتكررة على القرى والقصبات الحدودية، على الرغم من تمادي قوات الباسداران في عملياتها عبر الحدود.

منذ أربع سنوات على الأقل، كانت أجهزة المخابرات الكردية ترصد بدقة وجود مقرات كثيرة لمنظمة أنصار الإسلام داخل الأراضي الإيرانية. وقبل أيام أصدرت الوكالة المركزية للأمن والمخابرات في الإقليم، تحذيرا من احتمال حدوث هجمات إرهابية غير محددة بأهداف عسكرية. ومع أن الوكالة لم تسم الجهة التي تنوي شن الهجمات، فإن المقصود هو الجماعات التي تتلقى دعما من إيران.. وهذه قراءة شخصية لا صلة لها بالوكالة أو غيرها.

وجاءت تحذيرات الوكالة، التي تمتلك مؤهلات غير عادية للتحرك في مناطق اهتمامها المباشر، عشية هجوم إعلامي غير مسبوق على قيادة بارزاني الأب، استخدمت فيه معلومات قديمة جرى نشرها مرارا. وما أثار رد الفعل الكردي هو علاقة مؤسسة الهجوم الإعلامي بدوائر المرشد الإيراني الأعلى. مما يعني بدء مرحلة المفاصلة بين الطرفين، التي ينبغي الاهتمام بها عربيا.

في السابق، كانت ثقافة الدولة العراقية مبنية على توجيه الاتهام للحركات الكردية بالعمالة لإيران، وهو اتهام سطحي من المصطلحات غير المجدية. فلا أحد ينفي وجود علاقات قوية سابقة للقيادات الكردية مع إيران الشاه والخميني ووريثه.. وحتى الأكراد أنفسهم لم يخفوها. وفي المحصلة يمكن القول إنهم استخدموا علاقاتهم مع إيران وسيلة لتحقيق غاية يتحمل تحقيقها الاتهامات السياسية. أما الجمود في التفكير فيجعل الآخرين في حسرة عندما ينظرون إلى المكتسبات الكردية، وأقصد بذلك سنة عرب العراق تحديدا، الذين وقعوا للأسف الشديد ضحية شعارات لن تتحقق «أبدا»، وعليهم البحث قبل فوات الأوان عن خيارات تضمن لهم وجودهم وأمنهم وحقوقا مالية، كالتي يحصل عليها الإقليم، ومن مصلحتهم أن يتذكروا هذا.

التطور السلبي في العلاقات الكردية الإيرانية ناجم عن وصول الإقليم إلى مرحلة التأثير على أكراد إيران، المسلوبة حقوقهم الأساسية. وهو تطور ينبغي أن يفهم من زاوية إيجابية عراقيا. فما ألحقته إيران من ضرر فادح بالعراق لا بد أن تكون له انعكاسات سلبية على نظامها، ولو عن طريق التطورات السياسية. كما أن من واجب العراق عموما والإقليم تحديدا التعاطف مع المناضلين من أجل الحرية في إيران، ما دام الظلم الواقع عليهم لا يحتاج إلى تفسير.

وكمحصلة لعدم قدرة حرس الإقليم على ضبط الحدود الوعرة مع إيران، فإنه من المحتمل حدوث عمليات تسلل، على الإيرانيين منعها بضبط حدودهم بدل تحميل الآخرين المسؤولية.. ووقف قصف القرويين الفقراء بالمدفعية الثقيلة وطائرات الهليكوبتر، ووقف توغل وحدات قتالية داخل الإقليم.

مع ذلك، فإن التصعيد الإيراني لا يزال محددا بإجراءات معينة، وطهران لا تريد القطيعة مع الكرد حاليا، لأنها تريد دعمهم للكتلة الشيعية في تشكيل الحكومة، وبعدها تفتح أبواب الاحتمالات بلا قيود.. فسجل القادة الإيرانيين مميز بعدم التزامهم بعهودهم.

على أي حال، من يعتقد أن فلانا من القيادات الكردية على صلة راسخة بإيران يخطئ الحساب. فالأكراد ليسوا عملاء لإيران، بل لهم أهدافهم وتطلعاتهم، وتمكنوا من لعب أوراقهم بمهارة عالية بمساعدة ظروف لم يكن أحد يحلم بها. فاجتياح الكويت، وسياسة القط والفأر العبثية، والاجتهادات المتناقضة، أدت إلى تحطيم الدولة العراقية. وكان الكرد الطرف المتماسك الوحيد. ثم لعبوا أوراقهم ببراعة في مرحلة التصادم السني الشيعي. ولن تستطيع إيران قلب معادلات الإقليم الكردي. لأن نشاطاتها غير مرحب بها عربيا وغربيا، حتى لو تلاقت المصالح.

وقد تنظر دول عربية إلى الواقع الكردي كشوكة مستقبلية قوية ومنظمة في الخاصرة الشمالية الغربية لإيران. وبما أن الصراع مع هذه الدولة في تزايد، فإن الأوراق الكردية تزداد قوة، إذا ما اقترب الكرد من العرب. ولا أستبعد تنسيقا استخباريا قريبا بين دول عربية والإقليم، إن لم يكن موجودا حاليا.

أما إذا قبل الكرد سياسة التخاصم مع جيرانهم من عرب العراق، حتى لو فرض التخاصم عليهم، فستظهر عندئذ مفاهيم أخرى.