لماذا تنعس في ساعات النهار؟

TT

رأيت زميلا في العمل يتحدث ذات يوم بقسوة مع المراجعين.. سألته أن يتعامل معهم بكياسة، فهو الشخص الذي اشتهر بـ«لطافته» ودماثة خلقه، فقال بتأفف وهو يتثاءب، بصراحة: «لم أنم جيدا ليلة البارحة».

هذه إحدى النتائج السلبية لعدم الحصول على قسط كاف من النوم، وهو أمر لا يؤثر علينا جسديا فحسب، بل يؤثر ذهنيا أيضا، ويدفعنا إلى اتخاذ قرارات خطيرة، في المنزل والعمل، تجعلنا نندم كثيرا حينما تبدأ تداعياتها بسبب «سلطان» النوم وسطوته.

ولعل المشكلة الأهم عند الموظفين «الناعسين».. هي عدم اكتراثهم للعمل، والتعامل معه بصورة روتينية، آلية، والحضور جسدا لا روحا، وتمضية الوقت في أعمال اعتيادية، ريثما تنتهي ساعات الدوام، ثم العودة إلى المنزل، والنوم، استعدادا للسهر الذي يفاقم مشكلة النعاس في اليوم التالي ويهدد الإنتاجية.

ولا يعلم هؤلاء أن النوم الكافي يظل أمرا مهما للإنتاجية والسلامة الفردية، فقد «قدر خبراء المعهد الطبي الأميركي أن نحو 20 في المائة من الحوادث الخطيرة على الطرق ترتبط بحاجة السائقين للنوم» بحسب ما نشرته مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» العريقة التي صدرت لأول مرة نسختها العربية الجميلة في الشهر الحالي، وتبين أن «التكلفة الطبية المباشرة للخسائر الإجمالية المترتبة على نقص النوم تقدر بمبلغ عشرة مليارات دولار، أما الخسائر المتعلقة بانخفاض إنتاجية العمل بسب نقص النوم فلا شك أنها أضخم من ذلك بكثير» وفق تقرير المجلة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كم ستكون الخسائر المادية في الوطن العربي للموظفين المدمنين على السهر، الذين يجرون خطاهم جرا إلى مقار أعمالهم، فتكون النتيجة قلة إنتاجيتهم أو ترديدهم للكلمة التي يكرهها المراجعون: «تعال بكرة»!

كما وجد العلماء أن أخذ قسط كاف من النوم ليس مهما للموظفين فقط، بل حتى للطلبة؛ إذ اتضح أن «طلبة الثانوية الذين يحصلون على معدل (جيد) C أو أقل في الامتحانات ينامون ساعات أقل من الطلاب المتميزين».

ويرى استشاري اضطرابات النوم الخبير السعودي الشهير د. أحمد باهمام أن «سبب شعور الموظفين بالنعاس أو الرغبة في النوم في النهار، قد يعود إلى حرمانهم في الليلة السابقة من «النوم العميق» أو مرحلة الأحلام، وهي تأتي في المرحلتين الثالثة والرابعة، وتبدأ عادة بعد 90 دقيقة من نوم الإنسان، وتعد هاتان المرحلتان مهمتين لاستعادة الجسم نشاطه، ونقصهما ينتج عنه النوم الخفيف غير المريح والتعب والإجهاد خلال النهار». وهذا ما دعا د. باهمام إلى أن ينصح الموظفين بـ«النوم في مكان هادئ ومريح يساعد على تجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى استيقاظهم ليلا أو حصولهم على نوم خفيف متقطع».

النوم نشاط مهم نقضي فيه ثلث حياتنا، وهو الذي يتحكم في همتنا ونشاطنا في العمل، وحتى نطرد النعاس، لا بد من أن نأخذ قسطا مريحا من النوم يعيننا على تأدية أعمالنا بمنتهى الراحة والسعادة، وأكاد أجزم أنه لا يمكن أن ينظم الإنسان وقته ويبلغ ذروة نشاطه ما لم يستطع تنظيم نومه، وهذا سر اهتمامي بكل الدراسات الحديثة المتعلقة النوم.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]