المتحف المصري.. مخزنا للأسرار!

TT

شعور رائع بالفخر والمهابة يتملكني في كل مرة أزور فيها المتحف المصري في قلب ميدان التحرير في القاهرة.. كأنني أدخل محرابا أو معبدا أو مكانا مقدسا للعبادة والتراتيل والصلوات.

ذلك هو شعوري بالضبط بمجرد أن تطأ قدماي مدخل المتحف وصعود درجات السلم وصولا إلى صحن المتحف أو ما يسمى بـ«البِركة»، والنظر إلى التماثيل والتوابيت الضخمة لملوك وملكات مصر الفرعونية.

وأول ما ترى العين من آثار هو التمثال المزدوج الضخم لفرعون مصر «أمنحتب الثالث» المعروف بين الأثريين بلقب «باشا العصور القديمة» وزوجته الملكة القوية «تي».

وعلى الرغم من تكدس الآثار في المتحف المصري رغم ضخامته، وعدم وجود مساحة كافية لعرض كل أثر بما يليق بمكانته التاريخية والفنية، فإن المتحف ما زال يحمل طابعه الخاص، الذي ربما تميز به عن سائر متاحف الأرض.. رغم ما يحلو للبعض من تسميته «مخزن الآثار» وليس «متحف الآثار». والمؤكد أننا لو أردنا أن نمنح كل أثر داخل المتحف المصري المساحة الكافية لكنا في حاجة إلى مبنى تصل مساحته إلى ثلاثة أضعاف مساحة المتحف المصري كله.

وموضوع تكدس الآثار بالمتحف موضوع قديم سُئل عنه جاستون ماسبيرو، أول مدير فرنسي للمتحف المصري وأجاب بسرعة بديهته وفهمه للروح المصرية قائلا: «لو زار أحدكم أي منزل مصري مضى عليه مائة عام لوجد أن المصريين يستغلون كل مكان على الحوائط لوضع صور أفراد العائلة جيلا بعد جيل حتى لا تكاد الجدران ترى من وراء الصور».

وأضاف أن «المتحف المصري ما هو إلا تعبير عن الواقع المصري».

وعلى الرغم من أن مصر - ولا أقول وزارة الثقافة وحدها - تقوم حاليا ببناء أضخم مشروع ثقافي على وجه الأرض وهو المتحف المصري الكبير تحت ظلال أهرامات الجيزة العظيمة لكي تنقل إليه كنوز ملوك وفراعنة مصر القديمة من المتحف المصري في التحرير والمخازن والمناطق الأثرية المنتشرة في ربوع البلاد، فإن متحف التحرير سيظل مفتوحا بعد تطويره بالكامل وتحويله إلى متحف للفن المصري القديم، وستبقى به مجموعات فنية من تماثيل ولوحات وتوابيت وغيرها من الآثار التي هي علامات في الفن المصري القديم، مثل تمثال «خفرع وحورس»، وتمثال «رع حتب ونفرت» وغيرهما من آثار مصر الفرعونية التي لا مثيل لها في أي متحف آخر بالعالم.

إن أسرار روعة المتحف المصري بالتحرير لا تكمن فقط في الآثار المعروضة في قاعاته وصالاته.. والقصص التي يحكيها كل أثر معروض، وإنما تكمن أسرار المتحف في تلك الصناديق المغلقة منذ مئات السنين في سراديبه السفلية، ولا أحد يعرف ما تحويه هذه الصناديق من كنوز الآثار، حتى أن أقفال بعض هذه الصناديق قد تعدى عمرها قرنا من الزمان.. وهذه الآثار هي نتاج حفائر علماء الآثار الأوائل في مناطق مصر المختلفة، وفي عصر لم تكن فيه هناك مخازن آمنة للآثار سوى سراديب المتحف المصري.

وهناك مشروع طموح الآن لتسجيل آثار المتحف المصري سواء المعروض أو المخزون في سراديبه.

إنني لفخور حقا بأن لدينا مجموعة من شباب الآثاريين والمسجلين والمرممين يعملون بكل حب وإخلاص للكشف عن الآثار الدفينة في سراديب المتحف المصري بالتحرير.. إنه جهد رائع من أجل التحضر والتنوير.