«ويكيليكس».. نعم نحتاج معلوماته

TT

بغضب بارد رمى جوليان أسانغ مؤسس موقع «ويكيليكس» الإلكتروني الميكروفون وغادر الاستوديو رافضا إكمال اللقاء التلفزيوني.

تفجر غضب أسانغ حين سألته الصحافية أتيكا شوبرت من شبكة «CNN» ما إذا كانت ملاحقته بقضايا اغتصاب في السويد ستؤثر على مركزه ومستقبله في الموقع الإلكتروني الأكثر شهرة في العالم الإلكتروني اليوم.

قد تكون غضبة أسانغ مفهومة كون منتقديه يسعون لمجابهة المعلومات القوية والصادمة التي ينشرها عبر موقعه بمحاولة تشكيك بشخصه وبسلوكه كفرد، وبالتالي نزع المصداقية عنه عوضا عن الغوص في خطورة المعلومات التي ينشرها أو في تداعياتها.

لا شك أن «ويكيليكس» كان قد كشف أسرارا هامة وخطرة عن حرب أفغانستان، واليوم كشف معطيات صادمة عن حرب العراق، ومدى تورط مسؤولين عراقيين وحجم التستر والتورط الأميركي والإيراني الحاصل في عمليات تعذيب وقتل أو في التستر عليها. والهجمة التي يتعرض لها أسانغ تبدأ من البنتاغون وتكاد لا تنتهي في دوائر سياسية وأمنية عديدة سواء في أميركا أو في خارجها تحاول النيل منه والحد من الخسائر التي يلحقها نشر الوثائق التي بحوزته.

تظهر حادثة انسحاب أسانغ من المقابلة التلفزيونية، مدى حساسية الرجل للنقد الصحافي وللهجوم القوي الذي يتعرض له منذ شروعه في تأسيس الموقع ونشر وثائق سرية عسكرية. قد يبدو هذا التوتر مبررا؛ إذ من الصعب على فرد أن يبقى متوازنا إذا كان في مواجهة مع دول وأنظمة كبرى. ومن دون شك، فإن حملة البنتاغون الأميركية ضده لن تتراجع؛ بل هي ستحاول ملاحقته في حال أصيب جنود أميركيون بأعمال عنف ارتكبت جراء المعلومات التي نشرها بحسب البنتاغون. حتى منظمة العفو الدولية وجمعية حقوق الإنسان انتقدت أسانغ لنشره في الوثائق التي سربها عن حرب أفغانستان أسماء الأفغان الذين عملوا مع الأميركيين ما عرض حياتهم للخطر. كما أن عددا من العاملين معه والذين قدموا استقالاتهم يتحدثون كثيرا عن تسلطه وعدم مشاورته أحدا في نشر تقارير حرب العراق الأخيرة..

لكن بالعودة إلى المعلومات، وتحديدا تلك التي نشرت عن العراق، فلا شك أن المعلومات بالمطلق هي مصدر قوة وهي حجر الزاوية لجميع الحريات، ولعل هذا ما جعل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تعتبر أن حرية التعبير تشمل المعلومات العدائية والصادمة والمزعجة، وسيستمر هؤلاء المنزعجون من المعلومات التي يتم نشرها في محاولة السعي لضبط التسريبات.

لكن بموازاة المضمون الخطير لوثائق الحرب، فهل ينبغي أن يثير أسانغ قلقنا؟؟ الجميع يحاول أن يفهم من هي تلك الشخصية الغامضة والحادة لمؤسس أخطر موقع إلكتروني اليوم.

ربما علينا أن نبقى على متابعة وثيقة للجدل القائم في الغرب اليوم حول شخصية أسانغ الغامضة وأساليبه والانتقادات التي تثار حول سيرته، لكن لا يجوز في أي حال أن يتقدم الانشغال بالرجل على الانشغال بالحقائق التي كشفها موقعه والتي تفترض المسؤوليات الأخلاقية محاسبة فعلية للمسؤولين عنها، إذ لا معنى للحقائق التي عرفناها إذا لم تعقبها محاسبة وإحقاق للعدالة.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام