إيران لا تهمها فلسطين بقدر ما يهمها العراق!

TT

سنة 2011 ستكون السنة الحاسمة للسياسة الخارجية الأميركية في إيران، وأفغانستان والسلام الفلسطيني - الإسرائيلي، (سقط العراق من المعادلة). الفلسطينيون ضيعوا هذه السنة، وآخر طلباتهم من واشنطن إعطاؤهم ضمانات بأن تكون مساحة الدولة المستقلة بنفس مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة قبل عام 1967. الأميركي لن يعطي أي ضمانات قبل المفاوضات، والمقترحات الأميركية ستأتي أثناء المفاوضات، وخلال سنة ستبرز الحقيقة: هل تريد إسرائيل دولة فلسطينية، وهل تريد أميركا السلام أم أن العملية كلها تزوير بتزوير.

في الإدارة الأميركية السابقة، كان محامي إسرائيل في البيت الأبيض إليوت أبرامز، الذي يسوّق مشروع السلام الاقتصادي، حتى إذا انتعش الفلسطينيون اقتصاديا سيقبلون بكل ما تطرحه عليهم إسرائيل. الرئيس الأميركي باراك أوباما يرفض هذا الطرح ويريد حلا جذريا للقضية الفلسطينية لأنه يعرف أن هذا من مصلحة أميركا. إليوت أبرامز صاحب فكرة «السلام المزور» (Fake peace)، عمل عليها في إدارة جورج دبليو بوش، ووافقه عليها وسار بها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، والاثنان خدعا الطرف الفلسطيني. وأبرامز نفسه خدع فريقا من اللبنانيين في وقت من الأوقات.

خسر الفلسطينيون هذه السنة جيمس جونز مستشار الأمن القومي السابق. كان جونز يؤيد فكرة نشر قوات أطلسية في غور الأردن. في حين تصر إسرائيل على وجود عسكري إسرائيلي في الغور. وفي لقاءات واشنطن، بعد أن سأل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي عن ما الذي يضمن ألا يقع انقلاب على أول حكومة فلسطينية في الدولة الجديدة، تساءل أيضا: ماذا لو تغير الحكم في الأردن ووقع انقلاب؟ في المفاوضات التي بدأت، عبّر الطرف الإسرائيلي عن استعداده لانسحاب تدريجي لاحقا من الغور، لكن الفلسطيني قال: لا نريد أي وجود إسرائيلي، فرد الإسرائيلي: إذا وافقنا على قوات أميركية، فقد تنسحب يوما كما انسحبت من العراق.

جونز كان من مؤيدي الوجود العسكري الأميركي - الأطلسي. الآن مع استقالته حل مكانه توم دونيلون مساعده، والذي عمل مديرا لمكتب وزير الخارجية الأسبق وارن كريستوفر. خلال الأشهر السبعة الأخيرة، عمل دونيلون ودنيس روس وجيم شتاينبيرغ ضد تحرك المسار الإسرائيلي - السوري على أساس أن إسرائيل لا تتحمل ضغطا مضاعفا عليها من فلسطين وسورية. لكن عرقلة تحريك المسار السوري - الإسرائيلي قوّى إيران.

كان جيمس جونز ووزير الدفاع روبرت غيتس، ومعهما الرئيس أوباما يقولون: إن لسورية تأثيرا على الأحداث في العراق، لذا وجب إرضاؤها.

وحسب مسؤول أميركي سابق، فإن الذي أوقف تحريك المسار السوري كان دنيس روس ودونيلون، وهما بضغط من «إيباك» طلبا من أوباما عدم الضغط على إسرائيل في هذا الخصوص، «وصار روس تقريبا المنسق الأول بين الإدارة الأميركية وإسرائيل».

الذين يعرفون أوباما يقولون إنه يعرف من أين يأتي روس، لديه شعور واضح بأن روس منحاز لإسرائيل. لكن، وحسب العارفين، يحب أن يسمح للذين يعملون معه بتطبيق أفكارهم.

في هذه الأثناء كان حلم روس أن يحل محل جونز، لكن دونيلون في الوقت نفسه رجل طموح وتحالفه مع روس تكتيكي، عمل بكد وكسب تعيينه محل جونز. إنما الأهم في التغييرات الأخيرة، أنها قضت أيضا على ما تبقى من أحلام روس، بأن يأتي على الأقل نائبا لدونيلون في منصبه الجديد، غير أن أوباما عين دنيس ماكدوناه في هذا المنصب.خلال حملة أوباما الانتخابية كان ماكدوناه المسؤول عن السياسة الخارجية في الحملة، وفي البيت الأبيض كان مدير مكتب مجلس الأمن القومي. بعد استقالة جونز صار بقرار من أوباما نائب مستشار الأمن القومي. ماكدوناه أقرب للرئيس، وتفكيره غير منحاز، همه مصلحة أميركا القومية وولاؤه لأوباما.

أمر آخر يعتبر ضربة لروس، وهو أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لا تحب روس، بل ترتاح لمارتن إنديك. ويذكر أن روس وإنديك قاما في السابق بما يشبه الحملة، حتى يفوز واحد منهما بدور الممثل الشخصي للرئيس في عملية السلام، أرادا أن يأخذا محل جورج ميتشل، وحتى الآن يطمح إنديك لهذا المنصب، لكن إذا ترك ميتشل المنصب، فحسب مصادر أميركية موثوقة، فلن يكون هناك أي أمل في عملية السلام.

الآن، دخلت كلينتون على الخط. في البدء كان قرار الشرق الأوسط من مسؤولية البيت الأبيض، حاليا يعتمد عليها في القرارات المتعلقة بعملية السلام. هي تعتقد أن النجاح في عملية السلام سيؤمن لها الفوز بجائزة نوبل للسلام، ثم إن لديها وزوجها بيل كلينتون علاقات قوية بالكونغرس. وكان أوباما وكلينتون قالا لنتنياهو: إذا ضيعت محمود عباس، فإن حماس ستكون جارتك الأولى وحزب الله على شمالك، وهذا سيقوي إيران، بينما نجاح عملية السلام سيضعفها.

هناك انطباع عند الطرف الفلسطيني بأن نيات أوباما جيدة، لكن الفلسطيني غير متأكد مما إذا كان أوباما قويا بما فيه الكفاية. لكن، إذا قرأ الطرف الفلسطيني كتاب بوب وودورد الأخير سيكتشف شخصية أوباما القوية. الشيء الوحيد الذي يضايقه هو الاقتصاد، والتوقعات تشير إلى أن الاقتصاد سيكون قويا في نهاية العام المقبل.

ما لا يدركه الفلسطينيون أن إسرائيل مترددة إزاء المفاوضات، لكنها تستغل الرفض الفلسطيني كخيمة وغطاء، لأن المفاوضات ستحمل للفلسطينيين دولة عاصمتها القدس. ولتذكير الفلسطينيين، فإن هناك أمرين تخاف منهما إسرائيل: أولهما أن تحصل مواجهة بين الرئيس الأميركي وبينها، وثانيهما أن يصدر قرار من مجلس الأمن حول دولة فلسطينية، فهذا يعني أن العالم مجتمعا، اتخذ قرارا ضدها. والفلسطيني لا يعرف كما يبدو أنه إذا أرضى أوباما وانزعج هذا من إسرائيل، فإن أميركا ستغيب عن التصويت، ولن تستعمل حق النقض.

التركيز الأميركي سيكون على الخطوات الفلسطينية المقبلة، وهناك شعور في واشنطن بأنه من دون سورية حتى المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية ستتأثر، ويقول السياسي الأميركي، إن الذي غيّر موازين القوى، هو تأخر واشنطن في إعادة علاقتها بدمشق. ويضيف: تريد سورية علاقات مميزة مع أميركا، وتريد حماية النظام ومساعدات. ويؤكد محدثي، أن الطرف السوري كان متجاوبا جدا عندما زاره جورج ميتشل لأول مرة. لكن الخطأ كان في التردد الأميركي، ويعود ذلك إلى عمل فريق دنيس روس بمشورة إليوت أبرامز: نشر الوعود المزيفة وإبعاد سورية.

ويقول محدثي: كلما تسببت إسرائيل بالمزيد من المشكلات، على الفلسطيني أن يسهل الأمور ولا ينسحب، فأوباما أول رئيس أميركي يشعر حقيقة بأن الفلسطينيين تأذوا ويحتاجون إلى العدالة وحماية كرامتهم، وهو أول رئيس أميركي يقول إن المصلحة الوطنية الأمنية تتطلب حلا لهذا الموضوع، وتؤيده في ذلك المؤسسة العسكرية التي تعرف أن موضوع القدس له تأثير من باكستان حتى فلسطين.

الطرف الأميركي مصر على عدم تقديم أي ضمانات قبل المفاوضات، فالمقترحات الأميركية ستأتي خلالها. وللتذكير، كان لياسر عرفات وسيط بينه وبين الرئيس جيمي كارتر ومسؤول الأمن القومي آنذاك زبيغنيو بريجنسكي. طلب بريجنسكي من الفلسطينيين أن يقبلوا القرار 242 بتحفظ، فرد عرفات عبر الوسيط: نريد ضمانات بدولة فلسطينية، وكان جواب بريجنسكي: إذا أعطيناكم ضمانات، فلماذا المفاوضات إذن؟

بعد كل هذه السنين وهذه التجارب، هل يقتحم الفلسطينيون المفاوضات، علّ تعرية إسرائيل تأتي على يدهم!