هل ستستمر الصين في الصعود؟

TT

شنغهاي - تقول الشاشة الإلكترونية المثبتة على مدخل مبنى شركة «سينو سينتشري» (القرن الصيني)، التي تدير صندوق أسهم خاصة «أهلا ومرحبا بكم في (سينو سينتشري)»، هذا هو اسم الشركة، لكنه خير معبر عن صعود وتقدم الصين، التي من الممكن أن تسود العالم خلال المائة عام المقبلة، كما سبقتها الولايات المتحدة القرن الماضي.

لذا؛ فمن الحتمي أن يتساءل أي زائر أميركي هنا قائلا: «ترى كيف سيكون هذا القرن الصيني بالنسبة للصين وللعالم؟ هل يمكن للنظام السياسي الاستبدادي وغير الشفاف للدولة أن يساير القوى الاقتصادية التي أطلقها، أم أنه يمثل قنبلة موقوتة تدق تحت سطح الرخاء الصارخ؟ وربما كان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو هل الصين الناهضة تتجه نحو التصادم مع أميركا التي تعتقد غريزيا أنها قائدة العالم؟».

بعد زيارة استغرقت أسبوعا كاملا، أراني في حيرة أكبر، بسبب هذه التساؤلات، منها عندما وصلت إلى هنا. فالثروة الجديدة للمدن الساحلية باهرة وتفسر كل الإعلانات والدعاية التي قرأتها، لكن الهشاشة السياسية للصين واضحة أيضا للعيان، فالشكوك بشأن المستقبل تبدو واضحة بين أفراد النخبة ممن يملكون استثمارات في الخارج ويحصلون على جوازات سفر أجنبية بدافع الحيطة، بينما يجنون ثرواتهم بعملة الريمينبي.

تحولت هذه الصين الجديدة إلى دولة مزهوة بنفسها ومذعورة في آن واحد، تعيش حالة من التوجس على الرغم من تصدرها السباق. ويواصل المسؤولون الصينيون تذكيرك بفقر الدولة، بينما يتفاخرون بالنجاح الذي حققته، ويمارسون الضغوط على جيرانهم، بينما يؤكدون أن الصين لا تريد أعداء.

يتضح التناقض الشعوري عندما يتحدث الصينيون عن الولايات المتحدة، فأميركا هي الوجهة المفضلة للطلبة والسائحين، وهناك انجذاب كبير لشتى مناحي حياتنا المادية الرأسمالية، لكن فيكتور يوان، أحد منظمي استطلاعات الرأي الصينيين، يرى أن أميركا تصدرت قائمة أخطر الأعداء، التي وضعتها الصين، خلال تسعة أعوام من بين الأعوام العشرة الماضية.

لقد عزز مهرجان «شنغهاي إكسبو»، الذي يقام للاحتفاء بالذات على طول ضفاف نهر هوانغبو، التناقض بين الصين الصاعدة وأميركا المتقهقرة. يعرض الجناح الصيني فيلما تم اختصاره في بضع دقائق القصة المذهلة للنمو الاقتصادي الصيني خلال الثلاثين عاما الماضية. وتتداخل الصور الباهرة مع أحد أقوال كونفوشيوس، وهو: «اتبعوا الرغبة في قلوبكم دون تجاوز الحد»، لكنني أشك في أن المشاهد الصيني قد فهم الرسالة، وهي: «كن حذرا.. وأطع الحزب.. ولا تفسد شيئا جيدا».

ويعرض الجناح الأميركي المتواضع فيلما لأميركيين راضيين عن ذواتهم يرددون عبارات بسيطة باللغة الصينية بركاكة، ويعد هذا تصويرا قوميا مناسبا للذات لا ينم عن معرفة.

ظهرت فضائل رخاء الصين وحدوده في سلسلة المحادثات التي نظمتها «ذا كوميتي أوف 100» «لجنة المائة» التي تتكون من مجموعة من الأميركيين من ذوي الأصول الصينية الذين نظموا الجولة التي أقوم بها الآن. تحدث مهاجر أميركي من أصول جامايكية بحماس عن فضائل نفعية النظام، لكنه اعترف أيضا أنه «بلا روح». وأعرب محلل صيني عن أن أزمة الشرعية ستؤدي إلى حرب خارجية أو صراع أهلي. في حين أبدى أحد الطلاب الصينيين أسفه على عدم تمتع بلاده بالثقة، وأعرب عن قلقه من أن «الناس لا يؤمنون الآن إلا بالمال فقط».

ربما يسهم في ملء الفراغ المعنوي تشجيع الحكومة للنزعة القومية. ففي مدينة نانجينغ يوجد نصب تذكاري كبير يذكر بعمليات النهب اليابانية للمدينة عام 1937 ويضم معارض صور تثير غضب الزائرين الصينيين. وقد أسفر مخزون العداء لليابانيين عن وقوع أعمال شغب في عدة مدن بعد المواجهة البحرية الأخيرة.

التوقع بإمكانية وقوع مواجهة صينية - أميركية واحدة من أكثر المشكلات تعقيدا، فيرى غيانيو غو، أحد خريجي جامعة تشينغوا في بكين الذي عمل في الجيش، أن على بلاده أن تمتلك «قوات بحرية أكثر قوة» حتى تحمي مصالحها. ويتمتع مبعوث القوة البحرية الأميركية في القرن التاسع عشر، ألفريد تاير ماهان، بشعبية كبيرة في القوات العسكرية الصينية، لكن بكين تركز بصورة أكبر على مجالات الحرب المستقبلية - الفضاء والفضاء السيبراني. فيؤكد دينغلي شين، أحد المحللين العسكريين البارزين في جامعة فودان بشنغهاي، أن نظريات ماهان لم تعد صالحة حاليا، فيقول إن: «الصين تحتاج إلى دخول ميدان الفضاء، حيث يمكن إحراق أي سفينة بالليزر من الفضاء، عوضا عن منافسة الولايات المتحدة في بناء سفن أو دبابات. وينبغي على الصين أن تصنع أسلحة أكثر تطورا» «حتى تبطل عمل أنظمة التحكم الأخرى».

ويقول الفنان الكوميدي، ليبوزو، الذي يقدم أسلوبا كوميديا مباشرا يخاطب من خلاله الجمهور، مداعبا: «أنتم تأكلون اللحم بينما نأكل الأرز، فكيف تكون لنا الآراء نفسها؟» أو بمعنى آخر «فلنكن صينيين».

بعد قضاء أسبوع في مشاهدة الحياة في «القرن الصيني» تولدت في ذهني هذه الخاطرة وهي أن، لأميركا، ربما، وللمفارقة، نصيبا كبيرا في نجاح الصين، ورغم عدم رغبة القادة الصينيين في سماع ذلك، فإن ذلك يعني دفعهم باتجاه تحقيق استقرار حقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بإرساء نظام سياسي أكثر ديمقراطية وأقل شعورا بالارتياب. والبديل في هذه الحالة هو الانهيار الفوضوي، الذي لا يتحدث أحد عنه، لكن يخشاه الجميع.

* خدمة «واشنطن بوست»