نقد النقود

TT

حرب العملات ستكون مسألة حتمية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية إذا ما استمر البنك الفيدرالي المركزي على سياسته، خصوصا في ظل استمرار معدلات بطالة هائلة ومرتفعة في أميركا وفقدان التحسن الاقتصادي لأي إيقاع مستمر في التقدم، لأن كل ذلك سيكون معناه وترجمته طباعة البنك المركزي الأميركي لكمّ هائل من النقود لشراء سندات حكومية حتى يقف الركود، ولإجبار البنوك وتشجيعها على الإقراض والشركات على الاستثمار، وبالتالي على توظيف الناس بأعداد كبيرة.

وهذا الموضوع هو القصة الأهم، وهو الذي نال تعليقات رؤساء البنوك المركزية وتصدر غلاف مجلة الـ«إيكونوميست» المؤثرة بنفس العنوان، وكذلك كتب عنها مارتن وولف كبير محرري الرأي، بأهم صحيفة اقتصادية في العالم، الـ«فايننشيال تايمز». حرب العملات العالمية انطلقت بشراسة وبلا هوادة. وزير المالية البرازيلي جوديو مانتيغا أعلن في السابع والعشرين من سبتمبر (أيلول) انطلاق «الحرب العالمية للعملات»، وهذه الحرب تركز على ثلاثة محاور رئيسية، الأول عدم سماح الصين لعملتها بالتحرر «الحقيقي» لتنال قيمتها السوقية أمام العملات الأخرى، والمحور الثاني هو السياسات النقدية للدول الغنية، وتحديدا نياتها في طباعة المزيد من الأوراق النقدية لشراء سندات حكومية، والمحور الثالث كيف تتصرف الأسواق الناشئة إزاء حراك رؤوس الأموال المتدفقة هذه، فبدلا من أن «تسمح» هذه الدول بصعود معدلات الصرف للعملات، تدخلت حكومات كثيرة بشراء كميات هائلة من النقد الأجنبي أو فرضت ضرائب على المداخيل الخارجية.

البرازيل مؤخرا أقدمت على مضاعفة الضريبة على المشتريات القادمة من الخارج لقروضها، وكذلك قامت تايلاند بفرض ضريبة 15% على المستثمر الأجنبي المشتري لسنداتها. كوريا الجنوبية تستعد هي الأخرى لإعلان مجموعة من السياسات المالية كرد فعل على ما يحدث على الساحة الدولية، وهم تحديدا معنيون بما يحدث من معركة حامية الوطيس في ساحة العملات لأن سيول ستستضيف اللقاء القادم لمجموعة العشرين في نوفمبر (تشرين الثاني).

الآثار المتوقعة لهذه الحرب المحمومة باتت واضحة ومتوقعة، وأهمها: ارتفاع قيمة الأصول طويلة الأجل، وستشجع رؤوس الأموال للذهاب إلى دول بلا نيات توسعية نقدية وسياسات محافظة نوعا ما (مثل سويسرا)، أو إلى دول ذات مردود أفضل (مثل الأسواق الناشئة)، وتقدر بعض الدراسات الموثقة أن حجم رؤوس الأموال للأسواق الناشئة أكثر من 800 بليون دولار في عام 2010 و2011، ولكنْ هناك رقم مخيف ومفزع بالنسبة إلى أسواق المال الغربية، وهو أن حجم الاحتياطي النقدي للصين وصل إلى 2.6 تريليون دولار في نهاية سبتمبر، ويقدر له أن يصل إلى 3 تريليونات في نهاية عام 2011، علما بأن إجمالي الأسواق الناشئة يقدر أن يصل احتياطيه النقدي إلى 6.8 تريليون دولار بنهاية الفترة نفسها (أي بزيادة تبلغ نسبتها 50%، أعلى من معدلات ما قبل الأزمة المالية العالمية الكبرى الأخيرة). هذا هو الحال الآن، وهذا ما يفسر تدهور وضع الدولار الأميركي (والمرشح أن يستمر)، ولذلك لن يفيد الإنكار بوجود حرب واضحة وجلية للعملات على المستوى العالمي، ولن يخفي هذا الإنكار من آثارها الواضحة، ولكنه حتما سيعطل فرصة إصدار سياسات وتشريعات وحلول مطلوبة.

العالم ينتظر بعيون مترقبة تطورات حرب العملات وآثارها الكبرى على التجارة العالمية وعلاقاتها بتضخم أسعار السلع والخدمات في مواقع مختلفة. مسألة اقتصادية خطيرة.

[email protected]