أميركا تنتخب والعالم يترقب

TT

قبل عام من الآن، كان باراك أوباما يحتفل بعامه الأول كرئيس للولايات المتحدة، وكان لا يزال يأمل أن يدخل التاريخ كشخص خارق وليس سياسيا عاديا. وكان يتجه إلى «دفع المحيطات كي تتراجع» في إطار خطته الهادفة إلى «إنقاذ الكوكب» مع تعديل النظام الرأسمالي «من القمة إلى القاعدة». وفي أوقات فراغه، كان يأمل إنشاء دولة رفاهية على النمط الأوروبي داخل أميركا من دون نسيان «إعطاء دولة للفلسطينيين خاصة بهم».

وفي هذه الأثناء كان خصومه يدقون ناقوس الخطر محذرين من قيامه بتحويل الولايات المتحدة إلى مجتمع شيوعي كان لينين يحلم به قبل 100 عام.

ولكن، في وقت مبكر من الشهر الحالي، وبينما كنا نقوم بزيارة الولايات المتحدة، وجدنا صورة مختلفة تماما. وخلال أيام قليلة تحدثنا فيها مع الناس، أصبح واضحا أن أوباما تحول بالفعل إلى واحد من هؤلاء الرؤساء الذين تحولوا إلى أشياء غير ذات صلة بسبب المنظومة السياسية الأميركية الوعرة. وهنا كان أوباما نفسه يظهر على شاشات التلفزيون شخصا مقهورا ذا ظهر منحن يطلب من الأغلبية الجمهورية المقبلة في الكونغرس أن تضعه في الاعتبار. وقال البطل السابق ذو الأسلوب الخاص صاحب شعار «نعم نستطيع»: «عليهم أن يحسبوا حسابي» من دون أن يأمل في أن يقنع أحدا. وكان أصدقاؤه السابقون من اليسار الأميركي حريصين على أن ينأوا بأنفسهم عنه، فيما كان خصومهم، حتى هؤلاء الذين قضوا وقتا كبيرا خلال العامين الماضيين يطالبون برؤية شهادة ميلاد أوباما، يتصرفون وكأنه تحول بالفعل إلى ظل تراجع إلى حاشية التاريخ.

ويعتقد عدد قليل ممن تحدثنا معهم أن أوباما سيحقق الأهداف الكبيرة التي وضعها لنفسه، مثلما يقول الرأي، أو، كما قد يكون الحال، التهديدات التي طرحها أمام «نمط الحياة الأميركي». وفي الساحة السياسية الداخلية، بدا أوباما يترنح وسط حطام أرض المعركة يصرخ بصيغة عصرية من العبارة المذلة «مملكتي مقابل جواد».

وبعد أن كان ينظر إليه على أنه شخص مفعم بالحيوية من طراز جديد في عمر الشباب نسبيا مما يؤهله لإعطاء دفعة إلى الدولة، يتهم أوباما حاليا بأنه كسول ومضطرب. وباتت حتى مواهبه المفترضة في الخطابة محل سؤال. وظهر كلام حول تعرض أوباما لمواقف مخجلة عندما يواجه عطلا في أجهزة «الملقن الإلكتروني».

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فإن وعود أوباما بإنشاء دولة فلسطينية «خلال عام» أو معانقة أحمدي نجاد بعد ترويضه في حديقة «روز غاردن» داخل البيت الأبيض لم تحدث سوى ابتسامة متكلفة. وفي قضايا عالمية، غالبا ما ينظر إلى حديثه عن التعددية على أنها وسيلة لتجنب اتخاذ قرارات صعبة.

وفي عدد من الاجتماعات العامة التي تحدثنا فيها، لم يسأل أحد تقريبا عن القضية الوحيدة التي نسج حولها أوباما حملته الرئاسية في 2008، وهي العراق.

وفي الواقع، تظهر الاستطلاعات المتتالية أن أقل من 1% من الناخبين الأميركيين يعتقدون حاليا أن العراق أو أفغانستان «قضية هامة». وبعدما لم يتغير شيء في ثوابت السياسة الأميركية إزاء العراق وأفغانستان، هل ثمة مشكلة في الإشارة إلى أن قضية الحرب المزعومة استخدمت من أجل الترويج لسلسلة من الوعود الزائفة في شكل أوباما بين الأميركيين؟

بعد ذكر ذلك كله، من المبكر جدا معرفة هل يجب أن نكتب نعي أوباما السياسي أم لا. ومن المحتمل أن تجذب انتخابات التجديد النصفي الثلاثاء المقبل رقما قياسيا من الناخبين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وتدفع مخاوف محلية مرتبطة بأوباما الكثيرين منهم. وعلاوة على ذلك، حتى لو تمكن الجمهوريون من السيطرة على الكونغرس، فإنهم سيكونون الحزب الحاكم، وبذلك من المحتمل أن يكونوا في موقف الدفاع أثناء الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2012. ويمكن أن ينتهي المطاف بأن يفوز أوباما «غير المهم» بولاية رئاسية ثانية، مثلما فعل بيل كلينتون «غير المهم» عام 1996 وذلك من خلال تحميل حزب الأغلبية المسؤولية عن إخفاقاته.

وتنتهي كل المهن السياسية بالفشل، ولا يوجد سبب لاعتقاد أن أوباما استثناء من ذلك. ومع ذلك، بغض النظر عن نتائج انتخابات التجديد النصفي الأسبوع المقبل، فإنه يوجد شيئان مؤكدان.

أولا: حتى لو خسر الديمقراطيون السيطرة على الكونغرس، فسيكون من الخطأ وصف باقي رئاسة أوباما باعتبارها شيئا مخجلا. وسيبقى أي رئيس أميركي لديه من السلطة والنفوذ ما يمكنه من إطلاق مبادرات، أو على الأقل التأثير على النقاش السياسي. وقد تمكن جيمي كارتر البائس، الذي ربما يكون من بين أقل الرؤساء الأميركيين إثارة للإعجاب، من النجاح في إتمام اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في مرحلة متعثرة من إدارته. وتمكن رونالد ريغان في المراحل الأخيرة من رئاسته من إعطاء الاتحاد السوفياتي الدفعة الأخيرة إلى حافة الهاوية.

الأمر الثاني والمؤكد هو: أن الولايات المتحدة لا يمكن تجاهلها نتيجة لأخطاء الرئيس في أي وقت من الأوقات، فلا يمكن معالجة أي قضية من القضايا الدولية دون مشاركة نشطة، ناهيك عن القيادة، من الولايات المتحدة. وقد تأكدت هذه الحقيقة البديهية في وقت سابق هذا الشهر عندما حاول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إنشاء قيادة ثلاثية لقيادة العالم عبر دعوة نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لقمة خاصة. عقدت القمة في دوفيل قلب المقامرة في نورماندي، لكن مقامرة ساركوزي لم تنجح، وكان الشيء الوحيد الذي كان من الممكن أن يتفق عليه الثلاثة هو الانتظار إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي الأميركية. حتى إن زعم أحمدي نجاد الأكثر إثارة للتساؤل بأن الحقيقة الأولية بأن أجنبيا لا يتمتع بالخبرة مثل أوباما يمكن أن يصبح رئيسا توحي «ببداية النهاية» بالنسبة للولايات المتحدة. والزعم الإيراني بنهاية أميركية يستهدف إقناع بعض الأفراد في الشرق الأوسط بقبول الهيمنة الخمينية لسد الهوة التي يفترض أن تخلفها الولايات المتحدة. وعادة ما تكون الرسالة القادمة من طهران إلى أفغانستان والعراق وسورية ولبنان، المدعومة بحقائب بلاستيكية تغص بأوراق النقد، هي أن الحماية من قبل الملالي ستحل محل أميركا.

بيد أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط، ومن المؤكد عدم وجود تسوية في أفغانستان والعراق دون أميركا. وينطبق الأمر ذاته على الحروب الحدودية على الإرهاب العالمي، والأزمة الاقتصادية العالمية والحاجة لاستيعاب الطموحات الاقتصادية للقوى الناشئة الجديدة في آسيا وأميركا اللاتينية. ومنذ أن تشكلت ملامحها في بلاد ما بين الرافدين قبل آلاف السنين، كان النظام الدولي بحاجة إلى قوة رائدة يمكن للدول ذات الموارد والطموحات المختلفة العمل معا حولها لمعالجة المشكلات التي تثير قلقها ككل. وبعبارة أخرى تظل الولايات المتحدة ضرورة بالنسبة للنظام العالمي، سواء أرغب في ذلك أم لا.