متى يخرج لبنان من عنق الزجاجة؟

TT

«جبهة مقاومة الشعوب للمشروع الأميركي - الصهيوني»؟! أم «حلف إيراني - تركي - سوري»؟! أم «إمبراطورية فارسية - شيعية من الخليج إلى البحر المتوسط»؟! ما همت التسمية. فالغاية واحدة والبعد واضح والهدف لا يحتاج إلى دليل. أما الاستراتيجية والتكتيك والمناورات والمعارك الجانبية، فإنها لم تعد خافية على أحد. لا على الدول الغربية، ولا على الدول العربية، ولا على الشعب اللبناني السيئ الحظ، الذي ما كاد ينجو من حرب أهلية كادت تدمر وطنه، ومن «وصاية» سورية مرة المذاق، حتى وقع، مرة أخرى، ضحية المشاريع والنزاعات التي تمزق الشرق الأوسط، وبات معلقا بخيوط الهواء ومرهون الاستقرار والاستقلال، بتوازنات القوى بين الدول الكبرى والدول الفاعلة في المنطقة.

لقد كتب الكثير عن زيارة الرئيس الإيراني للبنان، والخطب والتصريحات المزدوجة - كي لا نقول المتناقضة - التي ألقاها في قصر بعبدا والسراي الحكومي، وأمام جماهير حزب الله في الضاحية والجنوب. هنا لغة رئيس دولة يزور رئيس دولة، وهناك لغة رئيس حزب وزعيم مقاومة. هنا كلام يؤسس لعلاقات بين دولتين سيدتين مستقلتين، وهناك كلام خارج عن مفاهيم العلاقات في المجتمع الدولي الحديث. لم يكن بإمكان الرئيس الإيراني تجاهل استقلال الدولة اللبنانية.. ولكن هل كان بإمكانه «تخييب ظن» مقاومي حزب يموله ويسلحه، «لتحرير فلسطين بكاملها»، والأرجح لغايات «تمهيدية» أخرى.

الغريب هو أن وتيرة التوتر السياسي في لبنان، خفت قليلا بعد زيارة الرئيس الإيراني للبنان. فأرجأ مجلس الوزراء البت في قضية ما يسمى بـ«شهود الزور»، وقيل من أجل العثور على مخرج لأزمة الشهود - المحكمة. والتقى الرئيس السوري بالعاهل السعودي وكان الشأن اللبناني في صلب مباحثاتهما، مع أنه ليس بسر أن نظرة دمشق إلى لبنان وموقفها من القوى السياسية فيه، يختلف عن موقف الرياض. والسؤال هو: هل كان لمعادلة (س - س) تأثير على «الرواق» الذي شهده المسرح السياسي اللبناني لبضعة أيام؟ أم أن رد الفعل القوي والصريح الذي أعلنت عنه واشنطن وباريس ولندن وحتى موسكو، أي تمسكها بسيادة لبنان واستقلاله وبالمحكمة الدولية، هو ما ألقى بماء بارد على الصفيح السياسي الحامي في لبنان؟ ولماذا، إذن، عاد رئيس الحكومة السورية إلى النفخ على جمر الأزمة بتصريحه الأخير؟

إن مواقف الدول الكبرى من لبنان باتت واضحة وصريحة ومحددة. وتلخص بدعم استقلال لبنان وسيادته وديمقراطيته واستقراره، ومساعدته كي لا «ينجر» مرغما وراء المشروع الإيراني أو ما يسمى، مجازا، بجبهة المقاومة والممانعة. (مع تفهم عجزه عن التملص كليا من ضغط هذه الجبهة عليه). كذلك هو موقف الدول العربية عموما وفي مقدمتها السعودية ومصر. ولكن الموقف «المحير» هو السوري؛ فعلى الرغم من كل الخطوات الانفتاحية والتصالحية والإيجابية التي قام بها الرئيس سعد الحريري، وكانت ذروتها تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، فإن دمشق ردت على هذه المبادرات الإيجابية، بأكثر من موقف «غير ودي» ونعني: مهاجمة المحكمة الدولية، وإصدار مذكرات «قضائية» بجلب شخصيات لبنانية سياسية وبرلمانية وإعلامية من فريق 14 آذار، وببيانات ومقالات تتبنى وجهة نظر حزب الله، كان آخرها، وليس أقلها تدخلا في شؤون لبنان، تصريح رئيس الحكومة السورية الذي يصف فيه فريق 14 آذار، أي فريق وحزب رئيس الحكومة اللبنانية، بالكرتوني؟

لا أحد يدري كيف سيخرج لبنان والحكم اللبناني من عنق الزجاجة الذي حشر فيه، ومتى؟ هل بتأجيل إصدار القرار الظني لعدة أشهر (يطرأ خلالها ما من شأنه نزع فتيل الاحتقان السياسي - المذهبي في لبنان)؟ أم بتفاهم بين الرئيس الحريري والأمين العام لحزب الله على سيناريو مشترك لمجابهة القرار الاتهامي.. أيا كانت وجهة الاتهام أو الأدلة الثبوتية فيه؟ أم «بتنفيس» الأزمة تدريجيا، على يد المحقق الدولي أو المحكمة، لعجزهما عن العثور على أدلة ثبوتية قاطعة تحصر الاتهام بشخص أو فريق أو أجهزة معينة؟

يبقى أن استمرار تعلق «مصير لبنان»، بهذا الشكل العضوي والمباشر بميزان حرارة العلاقات الأميركية - السورية - الإيرانية وعملية السلام بين إسرائيل والعرب، بات كابوسا معلقا فوق رأس اللبنانيين، مع طلوع كل فجر وغياب كل شمس. وهو أمر لا يطاق ولا يجوز أن يستمر. ولكن ماذا بإمكان المواطنين اللبنانيين أن يفعلوا ليحرروا أنفسهم ووطنهم من شرارات النزاعات في المنطقة وعلى المنطقة؟ ولكي لا يفقدوا ثقتهم بالدولة ومؤسساتها؟ أو ليتجنبوا «الفتنة» أو حربا أهلية طائفية ومذهبية جديدة، أو عدوانا إسرائيليا مدمرا؟!

في انتظار القرار الاتهامي وحكم المحكمة الدولية ونهاية المجابهة الأميركية - الإيرانية، وتحسن العلاقات السورية - الأميركية، ومصير المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، ليس أمام اللبنانيين سوى الانتظار والصبر والدعاء لله بأن يلطف بهم وببلدهم.