ادفعوا طالبان للانقلاب على «القاعدة»

TT

انتشرت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية كثير من التقارير الإخبارية حول قيام قوات حلف «الناتو» بتسهيل المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وقادة حركة طالبان في الوقت الذي تحاول فيه قواته اجتثاث عناصر الحركة من معقلهم الرئيسي في قندهار. وتبدو خطة الولايات المتحدة واضحة: السماح بمحادثات «مبدئية» تهدف لإنهاء الحرب من خلال التوصل لتسوية واسعة وعلى أن ألا يتم إبرام إي اتفاق جاد قبل أن تتمكن قوات التحالف المعززة من تحقيق النصر على أرض المعركة.

وعلى الرغم من تأكيدات مسؤولي حلف «الناتو» بأن في مقدورهم هزيمة حركة طالبان عسكريا إذا ما توفرت لديهم الأموال والجنود، وأن الضغط العسكري الذي يقومون به سوف يدفع حركة طالبان للتفكير في بدائل أخرى للقتال، فإن زيادة عدد قوات التحالف في جنوب أفغانستان يبدو أنها لم تؤد سوى إلى توسيع نطاق نشاط عناصر حركة طالبان وزاد من عزمهم على المضي قدما في القتال حتى يتمكنوا من إرهاق الأميركيين ودفعهم إلى مغادرة أفغانستان.

وفي الحقيقة، فإن الضغط الحقيقي لإظهار وجود ضوء في نهاية النفق ليس على طالبان، وإنما على الولايات المتحدة، التي تسعى لسحب قواتها خلال العام المقبل كما تعهد الرئيس أوباما. وهذا هو السبب الذي جعل حلف «الناتو» وواشنطن يناقشان الآن علنا المحادثات، على الرغم من أنها كانت جارية على نحو متقطع منذ سنوات. وصحيح أن بعض كبار قادة طالبان يشاركون في هذا المحادثات؛ لكن هذا ليس لأنهم يخشون الهزيمة على أيدي الأميركيين، بل لأنهم يشعرون بالقلق من خروج جيل جديد من القادة الميدانيين في الحركة عن نطاق السيطرة.

ولا تزال أهداف واشنطن الرسمية كما حددتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون: «تقوية الجيش الأفغاني» و«إعادة دمج المعتدلين» المفترضين من حركة طالبان، أي المقاتلين الذين يوافقون على إلقاء السلاح واحترام الدستور الأفغاني، بما في ذلك مواده المستوحاة من القوانين الغربية مثل احترام حقوق الإنسان، ومساواة المرأة بالرجل في المجال العام. لكن بعد تسع سنوات من الحرب، لم يقبل سوى عدد قليل من عناصر طالبان على خيار إعادة الدمج (الكثير منهم عاد إلى صفوف الحركة من جديد عندما كانت العودة في مصلحتهم). وعلاوة على ذلك، فإن قوات التحالف الدولي تعرف جيدا أنه لا يوجد لواء واحد في الجيش الأفغاني يستطيع الصمود أمام مقاتلي طالبان. وخلال عشرة أشهر من الحملة الجديدة لحلف «الناتو» في أفغانستان، أصبح عام 2010 الأكثر دموية حتى الآن منذ بداية الحرب في عام 2001. وزادت هجمات المتمردين بنسبة تزيد على 60 في المائة مقارنة بالعام الماضي، وذلك وفقا لتقديرات الأمم المتحدة. وقد زاد عديد قوات طالبان بنحو عشرة أضعاف منذ هزيمة الحركة على أيدي قوات التحالف عام 2001. ويجوب مقاتلو طالبان الآن مناطق واسعة في شمال وشرق أفغانستان، بعيدا عن معاقلهم التقليدية في المقاطعات البشتونية الجنوبية.

وتزعم الولايات المتحدة أنها قتلت الآلاف من مقاتلي طالبان في الأشهر الأخيرة، وأن معظم القتلى كانوا من الجنود والقادة الميدانيين. ولكن المعروف أنه يتم استبدال مقاتلين في سن المراهقة بهؤلاء الجنود القتلى ذوي الخمسة وعشرين عاما، كما يستبدل بالقتلى من القادة الميدانين الذين كان عمرهم 35 عاما، قادة في العشرينات من عمرهم ومن خريجي المدارس الدينية، وهي الشكل التعليمي الوحيد المتاح في كثير من المناطق الريفية.

وبمرور الوقت، تزداد المساحة الفاصلة بين القادة الشباب والمقاتلين الموالين لهم والشبكات الكثيفة من القرابة العشائرية والموالاة التي يطلق عليها لفظ «قوم»، خاصة النابعة من الصداقات الناتجة عن خوض تجارب مشتركة أو «الأندولي» التي تربط القادة البارزين في الجماعات المسلحة الموجودة مثل مجلس «شورى كويتا» وشبكة حقاني. إنها، في الواقع، روابط متداخلة نابعة من العلاقات الأسرية والصداقة في التعليم والعيش معا في المخيمات أو القتال معا أو الشراكة التجارية، وهي التي جعلت المحادثات بين الخصوم بمن فيهم ممثلو حميد كرزاي، رئيس أفغانستان، والملا عمر، زعيم طالبان، تستمر على مر السنين.

ولكن محاربي طالبان الجدد، يبدون بصورة متزايدة مستقلين وأشداء وغير مستعدين للدخول في تسوية مع الكفار الأجانب وشركائهم، إنهم يتوقون للقتال، ويصفون الخروج إلى المعارك بأنه كقضاء إجازة من فترة طويلة مملة من التدريب والانتظار. ويقول هؤلاء المقاتلون إنهم سيقاتلون حتى الموت ما دام هناك جندي أجنبي واحد على الأراضي الأفغانية، حتى لو كان داخل القواعد العسكرية فقط.

وكما هي الحال مع عناصر طالبان القدماء، فإن آيديولوجيتهم - وهي عبارة عن مزيج غريب من الشريعة الإسلامية والعادات البشتونية - «ليست للبيع»، كما قال أحد قادة الحركة لمراسل «نيويورك تايمز». لكن الفوج الجديد يقرر على نحو متزايد كيف تفرض هذه المعتقدات على أرض الواقع؛ وقد أرسل مجلس «شورى كويتا» مؤخرا عالما مسلما ليؤدب مجموعة من القادة الشباب في ولاية باكتيا الذين لم يلتزموا بتوجيهات الملا عمر؛ فقتلوه على الفور.

ولا يكاد ينظر أي شخص يطلق على نفسه لقب «طالبان» (وهو مصطلح شامل لرجال قبائل البشتون الذين يكرهون الغزاة الأجانب بدرجة تكفي لتحويل الأعداء التقليديين إلى أصدقاء) إلى الشروط الأميركية لإعادة الاندماج بأي صورة سوى السخرية. إن محاولة إقناع هؤلاء الرجال بإلقاء السلاح الذي تعودوا على الاحتفاظ به وحملوه على مدى عقود في وجه مجموعة من الغزاة الأقوياء تشبه الحصول على موافقة الاتحاد الوطني للأسلحة على إلغاء التعديل الثاني من الدستور الأميركي. إن الفصل بين الرجال والنساء في الحياة العامة يعتبر من قواعد الحياة الأساسية بالنسبة لقبائل البشتون، تماما مثل واجب حماية الضيوف.

فلماذا إذن يتم عقد محادثات؟ لأن هناك فرصة جيدة لأن يتم إقناع حركة طالبان بقطع علاقاتها مع «القاعدة» وتقديم نوع من الضمان بأن الرئيس حميد كرزاي لن يترك معزولا بمفرده بعد مغادرة الأميركيين (كما ترك محمد نجيب الله، الذي كان رئيسا لأفغانستان في فترة الثمانينات، بعد انسحاب السوفيات). وقد قال المراسل المخضرم أرنو دي بورشغراف مؤخرا لي إنه عندما اجتمع مع الملا عمر قبل وقت قصير من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، فإنه كان «مذهولا من درجة عدائه» لأسامة بن لادن.

والواقع أن هناك أدلة قوية على أنه في أواخر تسعينات القرن الماضي كان الملا عمر يحاول اتخاذ إجراءات صارمة ضد أنشطة أسامة بن لادن؛ ومن بينها مصادرة هاتفه الجوال، ووضعه تحت الإقامة الجبرية ومنعه من التحدث إلى الصحافة أو إصدار فتاوى. ولكن بعد ذلك، وبينما كانت حركة طالبان تدرس كيفية «التخلص» من هذا الضيف المثير للمشكلات، وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وقامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان، مما جعل طالبان تدخل في تحالف قوي مع تنظيم «القاعدة».

وبالمثل، يتعين أن تكون هناك إمكانية للوقيعة بين تنظيم «القاعدة» وجماعة حقاني. وقد كان يطلق على زعيم هذه الجماعة، جلال الدين حقاني، في يوم من الأيام «الخير المجسد» من قبل النائب تشارلي ويلسون، الذي كان مسؤولا عن رعاية وتقديم الدعم للمجاهدين الأفغان. وكان حقاني خلال فترة الاحتلال السوفياتي، القناة الرئيسية لنقل الأموال بين جهاز الاستخبارات الباكستانية والمجاهدين، ولا يزال حلقة وصل رئيسية بين باكستان وحركة طالبان الأفغانية.

وعلى الرغم من أن بعض قادة جماعة حقاني يدينون بالولاء الآن للملا عمر وربما لا يزالون يقومون بإيواء أعضاء في تنظيم «القاعدة»، فإن هذا من المرجح أن يكون سببه هو تقليد حماية الضيف، أو تطبيقا للمقولة الأفغانية القبلية القائلة بأن «عدو عدوي صديقي». علاوة على ذلك، فإن جماعة حقاني لها علاقات طويلة الأمد مع قبيلة الرئيس كرزاي، بوبالزاي، ويمكن استغلال هذه العلاقات في المفاوضات. والواقع أن الملا عبد الغني برادر، وهو أحد قادة حركة طالبان الذين لهم صلات وثيقة بجماعة حقاني والمعتقل في باكستان الذي يعتقد أنه يشارك في المحادثات الحالية، هو نفسه عضو في قبيلة بوبالزاي وقد أنقذ حياة الرئيس كرزاي في إحدى المرات.

ومع عدم وجود آمال حقيقية لتحقيق تقدم في المفاوضات، يبدو أن التفكير المتداول حاليا في وزارة الدفاع هو الحفاظ على مستوى القوات كما هو لبضعة أشهر على الأقل بعد الموعد الذي حدده الرئيس أوباما لسحب القوات وهو يونيو (حزيران) 2011، ليظهروا لطالبان أن القوة والإرادة اللازمة لضربهم ستبقى إذا استمروا في رفضهم الجلوس على طاولة المفاوضات. ولكن هذا ليس من المرجح أن يقنع أيّا من عناصر طالبان، الذين يمكن أن ينتظروا ببساطة حتى نفاد صبرنا. ولكن الخطوة الأكثر ذكاء هي تحويل هذا الحديث الخافت عن المحادثات إلى مفاوضات جادة فورا. وقد يوقف قادة طالبان دعمهم لأسامة بن لادن إذا خرجت القوات الأجنبية التي كانت توحدهم. وجماعة حقاني، أيضا، تركز على تحرير وطنهم، وليس على الجهاد العالمي، وسوف تنبذ أي شخص يتدخل في حياة الأفغان، فلم ينضم أي من أفراد جماعة حقاني إلى تنظيم القاعدة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، لأنهم لم يكونوا يقبلون بأن يقف بعض العرب ليعلموهم كيف يصلون ويقاتلون.

والمشكلة الآن، بالنسبة لزعماء طالبان والحكومة الأفغانية وحلفائها من الغرب وباكستان، هي أن أهم «نجاح» لزيادة الغرب للقوات - وهو قتل الآلاف من مقاتلي وقادة طالبان الميدانيين - قد خلق أزمة لن يكون في مقدور أحد السيطرة عليها.

* عالم الأنثروبولوجيا في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية بجامعة ميتشيغان.

* خدمة «نيويورك تايمز»