.. وماذا عن النساء الأفغانيات؟

TT

كابل (أفغانستان): أكثر سؤال محير يواجه هؤلاء الذين يفضلون تقليل عدد القوات الأميركية في أفغانستان بشكل كبير وإبرام اتفاق سلام مع حركة طالبان هو: ماذا عن النساء الأفغانيات؟ تناولت مجلة «التايم» الموضوع وإن كان ذلك بطريقة موجعة من خلال وضع صورة عائشة البالغة من العمر 18 عاما، التي هربت من زوج يسيء معاملتها على الغلاف هذا الصيف. وجاء في المقال أن حركة طالبان حكمت بمعاقبة عائشة العام الماضي بقطع أنفها وأذنيها، وهو ما يعد عقابا تقليديا للمرأة التي تعد غير مطيعة أو فاسقة. وقام الزوج بتنفيذ العقوبة.

وجاء في المجلة على لسان عائشة متحدثة عن حركة طالبان، بينما تتحسس وجهها المشوه: «كيف يمكن لنا أن نتصالح معهم؟» إنه سؤال مشروع مثل: هل الذين يفضلون الانسحاب العسكري من أفغانستان يحكمون على المزيد من النساء الأفغانيات بالتعرض إلى العنف والقسوة؟

لقد أتيت إلى أفغانستان من أجل هذين السؤالين. من المؤكد أن الأفغانيات خائفات، فرغم أن الأفغانيات اللاتي يرتدين البرقع اليوم هنا في كابل أقل من عددهن خلال زياراتي السابقة، أخبرتني عدة نساء بأنهن يحتفظن بالبرقع في المنزل تحسبا لما قد يحدث، حيث هناك خوف من أن تسود القيم والقوانين الأصولية حتى وإن لم تستعد حركة طالبان سيطرتها على كابل مرة أخرى. لكن ما زال يبدو لي أن تبرير وجودنا العسكري الضخم في أفغانستان بزعم حماية النساء خطأ تاريخي. وفي الواقع فإن أغلب النساء اللاتي أجريت معهن حوارا فضلن عقد صفقة مع حركة طالبان لأنه بذلك سوف يحل السلام. وترى تلك النساء أن حكم حركة طالبان كان بشعا، لكنهن يعتقدن أن الحرب المستمرة قد تكون أسوأ. وعلى سبيل المثال، تحتقر امرأة تدعى باري جول من إقليم هلمند قابلتها في كابل، حركة طالبان وقالت لي في تلك الرحلة في عام 2001 «دعوت أن تهزم حركة طالبان وقد استجاب الله لدعائي»، وقالت إنه منذ ذلك الحين تم تدمير منزلها وقتل زوجها وابنتها في غارات جوية أميركية. وتعيش الآن في كوخ من الطين هنا وقالت لي وهي تصب جام غضبها على حركة طالبان والأميركيين والحكومة الأفغانية «إنني أكرههم جميعا».

وينبغي تذكر أنه في حين استفادت النساء في كابل من الحريات الجديدة، لم تتمتع بها النساء اللاتي يعشن في الجنوب، فالحياة بالنسبة إليهن قبل 2001 كانت مجحفة مثلما هي الآن.

أخبرني رجل من إقليم هلمند يدعى والي خان بأنه لا فرق بالنسبة للنساء في قريته سواء حكمت حركة طالبان أم لم تحكم، فهن في الحالتين حبيسات في منازلهن وذكر عبارة بلغة البشتو تقول: «المرأة إما أن تكون في المنزل أو في القبر».

وبمعنى آخر، إن الظلم ليس متأصلا في حركة طالبان فحسب، بل في الثقافة كلها. لا يتم قطع أنف وأذني امرأة في المناطق التي تنتشر بها حركة طالبان فقط، بل يحدث ذلك أيضا في مناطق آمنة في باكستان. وقد صادفت عددا من هذه الحالات في البنجاب أكبر مما قابلت داخل أفغانستان، لكنني لم أسمع أحدا قال إننا ينبغي أن نحتل باكستان لتغيير ذلك.

ليست قوة السلاح هي الطريقة الفضلى لوضع حد للظلم، بل يتأتى ذلك من خلال التعليم والتنمية الاقتصادية للرجال والنساء على حد سواء بصورة لا تفضي إلى رد فعل عكسي. كما كتبت من قبل، التعليم المدرسي ممكن حتى في المناطق التي تسيطر عليها حركة طالبان ما دام أن ذلك ينفذ بالتشاور مع الشيوخ ومن دون وجود غربيين على الأرض.

كثيرا ما يكون المسجد هو أفضل مكان لدروس تعليم القراءة والكتابة للفتيات. ويأتي إصرار المتبرعين الغربيين على تعليق لافتات تحمل أسماءهم على المشاريع التي يمولونها بنتائج عكسية.

ومن القوى الرائعة التي تدفع نحو التغيير مؤسسة «بي بيس»، حيث تشجع أصحاب المشاريع الصغيرة من النساء في أفغانستان. ومن اللاتي قابلتهن امرأة تدعى سورا ستودا وهي تبني مصنعا لإنتاج شرائح البطاطس، بينما تصنع شاهلا أكباري الأحذية. ويعمل لدى والدة شاهلا، فاطمة أكباري، 3000 عامل في مختلف أنحاء أفغانستان (أغلبهم من النساء)، في صناعة المربى والأثاث والحياكة والتطريز والمجوهرات، بالإضافة إلى صناعات أخرى.

وتعمل فاطمة الآن على توسيع مجال عملها الذي تشترك فيه المرأة، وكذا توسيع فصول تعليم القراءة والكتابة في المناطق التي تسيطر عليها حركة طالبان. وتتعامل دائما مع ملالي وشيوخ لتحصل على دعمهم وحمايتهم. وتقول فاطمة: «عندما تذهب إليهم وتملك قلوبهم، يمكنك أن تفعل أي شيء». وأضافت: «لا تمثل لي المفاوضات مع حركة طالبان أي تهديد، بل سيكون من مصلحة حركة طالبان الاندماج في الدولة لترى أنه لا يوجد أي ضرر من خروج المرأة من المنزل. ستتحسن الحالة الأمنية بمجرد عقد صفقة مع حركة طالبان».

فلنكف إذن عن خداع أنفسنا باعتقادنا أننا نقدم للنساء الأفغانيات معروفا باستثمار الدم الأميركي والأموال هنا في حرب لا يمكن لها أن تستمر. وسيكون الطريق لتحرير المرأة الأفغانية صعبا، لكنه لن يكون إلا من خلال المدارس والتنمية الاقتصادية وأيضا باتفاق سلام مع حركة طالبان إن أمكن ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»