معقول يا بنغلاديش؟

TT

يقبع المسلمون العرب في مشكلاتهم التي هم عليها منذ عقود، بينما تأتي قصة نجاح مفعمة بالأمل في العالم الإسلامي ولكنها خارج المحيط العربي، وتحديدا القصة المبهجة تأتي من بنغلاديش. هذه الدولة الآسيوية المحاصرة بالكوارث الطبيعية الناتجة من الأعاصير الموسمية، وبالفقر المقيت.

بنغلاديش كانت عام 2005 الدولة الأكثر فسادا في العالم، أصحبت الآن مقصدا لأهم البنوك الاستثمارية العالمية الكبرى. الاقتصاد البنغالي يعتمد بشكل أساسي على الزراعة، والآن هم يتوجهون بقوة نحو الصناعة، وفتح المجال أمام شراكات القطاع العام مع الخاص وتحرير قطاعات الاتصالات والطاقة والخدمات بصورة عامة. كان هدفهم أن يحققوا نسبة نمو 5.5% ولكنهم سيتمكنون من تحقيق 6% بنهاية السنة وسط تداعيات الأزمة المالية العالمية حول العالم، ويخططون للوصول إلى نسبة نمو تبلغ 8% بحلول عام 2013.

العالم يذكر باحترام شديد إنجاز «نجم» بنغلاديش الأهم، محمد يونس، الحائز جائزة نوبل، ومنظومته البديعة (بنك الفقراء)، ويعلم أن بيئة بنغلاديش الفقيرة «ولدت» الفكرة التي نفذت بإبداع، ويجري تقليدها الآن حول العالم بصور مختلفة. ومن أهم عوامل التطور الاقتصادي الحاصل في بنغلاديش اليوم العلاقة المميزة التي كونتها مع الصين والتي تساهم وبقوة في البنية التحتية وقطاع الطاقة والتسليح والدفاع. أما علاقتها مع الهند فهي مضطربة تاريخيا، لكن هناك اتفاقا تاريخيا أخيرا حصل لتقاسم مياه نهر الجانجز المهم، وهناك تداخل في 54 نهرا آخر يجري التباحث حولها من لجنة عليا للأنهار بين البلدين، وتم حل معضلة الـ64 ألف لاجئ بنغالي الموجودين بالهند وتمت إعادتهم بنجاح. وتسعى بنغلاديش لاستغلال جيرتها، نيبال وبوتان وميانمار، اقتصاديا، وذلك بفتح مينائها الرئيسي لأجل خدمتهم.

التطرف والإرهاب كان ولا يزال موجودا في بنغلاديش، وتسبب في قتل 21 ألفا من الحزب الحاكم فقط شاملا موظفين وبرلمانيين ووزراء سابقين. بنغلاديش ترأس وزارتها اليوم شيخة حسينة واجد، التي حكمت في أواخر التسعينات الميلادية من القرن الماضي وخرجت ثم عادت للحكم في يناير (كانون الثاني) 2009 وتعرضت لمحاولات اغتيال، ولكن عصر الانقلابات العسكرية ولى بلا عودة. فالديمقراطية هي الأساس والتعددية الحزبية بخير والعلمانية الدستورية موجودة. والمرأة وضعها بخير، فهي موجودة في الحكم، والمعارضة بزعامة امرأة، ووصلت للقضاء والدفاع والتعليم والإدارة وكافة المرافق المهمة بشكل عقلاني، بالاعتماد على قراءة وسطية وعقلانية للتراث الإسلامي الغني الذي يتخطى التفسير المتعصب والضيق للنصوص المعروفة والمعتمدة على فهم محدود لأشخاص معدودين فقط.

بنغلاديش تمثل نقطة مضيئة وقصة نجاح يجري بناؤها بالتدريج، وتتحول من نموذج الفشل والانكسار والفساد والتخلف إلى حالة مهمة من الإصلاح والتطور والتحسن والنقد والمراجعة والاستفادة القصوى من النجاحات الآسيوية الحاصلة حولها واستثمارها بنجاح ودقة ومثابرة في نطاقها المحلي بفعالية وتميز. والنموذج البنغالي لو تم التمعن فيه بجدية يقدم وصفة جديرة بالتأمل والاستفادة مما حدث فيها. فما لديها من علل موجود في كثير من الدول العربية، ولكن الإرادة والإدارة كونتا «خلطة» سحرية نقلتها من حال إلى حال أحسن. الزمن يجعلنا نتعلم من بنغلاديش. ولله في خلقه شؤون!

[email protected]