أيام فاتت؟ كلا لم تفت!

TT

كان نائب المدعي العام في العراق الأستاذ خالد محمد علي الخطيب يقوم بمهمة المحقق العدلي لدى المخابرات العراقية عندما تسلم أمرا بالذهاب إلى منطقة بلد، شمال مدينة بغداد، للتحقيق في قضية 160 متهما تم اعتقالهم بتهمة محاولة اغتيال صدام حسين. ركب الرجل سيارته وأسرع إلى مكان المعتقل.. دخل إلى مكتب التحقيق وطلب من الضابط إحضار المتهمين واحدا واحدا. قال له: أي متهمين؟

- «الخونة المتهمون باغتيال الرئيس القائد حفظه الله».

- «أوه.. أستاذ أنت ما خبروك؟ نفذنا فيهم الإعدام قبل يومين».

ولكن خالد محمد علي الخطيب كان أكثر حظا من المقدم عبد الغني الراوي. لقد ذهب الأستاذ خالد للتحقيق بقضية 160 مواطنا في حين أن عبد الغني الراوي بعثوه من قبل للتفرج على إعدام 12 شيوعيا.. اثنا عشر فقط؟! قال الضابط الأقدم: «تريدون تهينوني؟ أنا ضابط لي دلالة كبيرة على الثورة، وتبعثوني أتفرج على إعدام 12 متآمرا شيوعيا! إهانة ما بعدها إهانة.. والله العظيم أنا ما أحضر لإعدام أقل من 150 شيوعيا حتى لو تصلبوني وياهم. وهذا قسم عظيم علي. وأنا رجل أخاف من ربي. اعدموا مية، ميتين شيوعي متآمر ما عندي أي مانع.. أحضر وأشهد على صلبهم قدامي. يعني الإنسان عنده شرف لازم يحافظ عليه. وأنا ضابط لازم أحمي شرفي العسكري. شنو تجيبوني على اثنعش واحد؟».

وبالفعل التزم بقسمه ولم يذهب لشرذمة من اثني عشر شخصا علقوهم على المشانق ومات هؤلاء المساكين جزافا من دون أن يحظوا بشرف حضور أي عضو من أعضاء السلطة الحاكمة يتفرج عليهم ويتفرجون عليه، كما حصل لصدام حسين الذي مات معززا مكرما يتفرج عليه كبار القوم والمسؤولين، كل أعداء الأمس، وهو يصعد للمشنقة. لم يظهر عليه أي قلق أو ارتباك. فالشنق والمشانق شيء مألوف عنده. وياما وياما.

وكلها إعدامات وفاتت أيامها. أو هكذا يتصور الناس على الأقل. أيام وفاتت. ولكن هل حقا مضت أيامها وذكرياتها وتداعياتها وأصبحت نسيا منسيا ولدينا دولة القانون؟ ما أراها والله كذلك. الطفل يعيش بتجارب طفولته والمرأة تعيش بذكريات ليلة دخلتها، وعلى غرار ذلك نرى أن الشعوب تعيش بتجارب تاريخها. كل ما في الأمر أن ممارسة حق الإعدام بالجملة انتقلت الآن في العراق من السلطة إلى الشعب، وهذا تطبيق من تطبيقات الديمقراطية. بدلا من أن نسمع عن الحكومة تعدم عددا من الجمهور أخذ الجمهور يعدمون أعدادا وشرائح كاملة من ذوي الحكومة. يفجرون سياراتهم وينسفون مكاتبهم ووزاراتهم ويخطفون أولادهم وأولاد عمهم ويطلقون الرصاص عليهم. إنها الديمقراطية في التطبيق. وكل من لا يعجبه، الباب مفتوح قدامه للهجرة إلى الخارج. فالهجرة وترك الوطن والأهل والأولاد يكاد يكون البند الوحيد المحترم عندنا من بنود حقوق الإنسان.