لا يتغير الشرق

TT

تعلمت أن ثمة أشياء لا تجوز في كتابة المقال، لأنها دلالة ضعف، أو نضوب، أو انعدام مسؤولية: النقل أو الترجمة، وهما الأسوأ.. إعادة نشر مقال سابق بحجة أن الأيام تكرر نفسها وأن صاحبنا صح له ما توقع.. ثم الكتابة عن عدة مواضيع في زاوية واحدة أو الاستعارة من كاتب آخر بداعي الإعجاب. وقد حاولت طوال هذه السنين أن أتجنب الوقوع في أي مما ذكرت، مخالفا القواعد في حالات نادرة، سببها دائما الرغبة في إشراك القارئ في شيء ثمين.

كلما عدت إلى قصيدة الشيخ مصطفى صادق الرافعي، مواطننا الطرابلسي الذي هاجر إلى مصر، في «رثاء الشرق»، عنَّ لي أن تقرأوا ماذا كتب منذ قرن، وأن تقارنوا.. وسامحوني على الاستعارة:

تمايل دهرك حتى اضطرب وقد ينثني العطف لا من طرب

ومر زمان وجاء زمان - وبين الزمانين كل العجب

لقد وعظتنا خطوب الزمان - وبعض الخطوب كبعض الخطب

ومن نكد الدهر أن الذي - أزال الكروب غدا في كرب

ألست ترى العرب الماجدين - وكيف تهدم مجد العرب؟

فأين بناؤهم المشمخر - وأين العماد وأين الطنب؟

وأين الذي رفعته الرماح - وأين الذي شيدته القضب؟

وأين شواهق عز لنا - تكاد تمس ذراها السحب؟

لقد أشرق العلم من شرقنا - وما زال يضؤل (حتى غرب)

وكنا صعدنا مراقي المعالي - فأصبح صاعدنا في صبب

وأقسم لولا اغترار العقول - لما كف أربابها عن أرب

ولولا الذي دب ما بينهم - لما استصعبوا في العلا ما صعب

ومن يطعم النفس ما تشتهيه - كمن يطعم النار جزل الحطب

ألا رحم الله دهرا مضى - وما كاد يبسم حتى انتحب

وحيا ليالي كنا بها - رعاة على من نأى واقترب

سلوا ذلك الشرق ماذا دهاه - فأرسله في طريق العطب

لو ان بنيه أجلوا بنيه - لأصبح خائبهم لم يخب

فقد كان منهم مقر العلوم - كما كان فيهم مقر الأدب

وهل تنبت الزهر أغصانه - إذا ماء كل غدير نضب؟

فكم من مصابيح كانت تضيء - بين الرياح إذا لم تهب؟

وما عِيبَ من صدف لؤلؤ - ولا عاب قدر التراب الذهب

بني الشرق أين الذي بيننا - وبين رجال العلا من نسب؟

لقد غابت الشمس عن شرقكم - إلى حيث لو شئتم لم تغب

إلى الغرب حيث أولاء الرجال - وتيك العلوم وتلك الكتب

فإن كان مما أردتم فما - تنال العلا من وراء الحجب

فدوروا مع الناس كيف استداروا - فإن لحكم الزمان الغلب

ومن عاند الدهر في ما يحب - رأى من أذى الدهر ما لا يحب