صفعة سعودية للمحافظين

TT

شخصيا لا أميل إلى التفسير التآمري في مسألة المواد الناسفة التي عثر عليها في طائرتين إماراتيتين كانتا متوجهتين إلى أميركا، والتي أعلن عن اكتشاف أمرها الجمعة الماضية الرئيس الأميركي أوباما، حيث قال بعض المحللين إنها مسرحية أميركية مخطط لها. فعلاوة على حقيقة تنامي نشاطات «القاعدة» ومن دار في فلكها الفكري، وتزايد تحرشاتها الأخيرة بأميركا وتهديدها لعدد من الدول الأوروبية، و«القاعدة» كما يعرف الجميع من النوع القوال الفعال، فهناك أيضا، غير أميركا، أربعة أطراف رئيسة في كشف هذا العمل الإرهابي الشائك: بريطانيا والسعودية واليمن والإمارات، والسعودية بالذات وجهت صفعة مدوية لليمين الأميركي المتطرف الذي شكك في حرب السعوديين مع الإرهاب.

لكني أيضا لا أميل إلى التسليم بالرواية الأميركية التي تقول إن المستهدف معابد يهودية، وليس هذا من قبيل «تورع» «القاعدة» عن ارتكاب المحظور، فجريمتها الكبرى 11/9 وجرائمها الأخرى التي اقترفتها في عدد من الدول الإسلامية جعلها لا تعرف في الدماء لا حلالا ولا حراما، ولا تكترث حين تستهدف ثلة من الأميركيين أن تقتل في سبيل تحقيق هذا الهدف مئات الأبرياء. هذه البلطجية صارت شاهرة ظاهرة، لكنننا في الوقت ذاته لم نلحظ في أدبيات «القاعدة» ولا ممارساتها استهدافا للمعابد، يهودية كانت أو مسيحية. ولهذا، لا يبدو مقنعا أن «القاعدة» ترغب في تفجير معابد يهودية وبالذات في أميركا التي ملأت أجواءها حرسا شديدا وشهبا نارية تحملها مقاتلات حربية تتربص بكل مقبل من الشرق. ولو أن المعابد اليهودية مستهدفة لذاتها، لكان الهجوم على هذه المعابد في دول أوروبا الشرقية مثلا أسهل وأقل تكلفة. ولهذا، أجد شيئا من العلاقة بين هذا الاستهداف والجرائم التي يرتكبها اليهود المتطرفون في فلسطين المحتلة بقيادة زعيمهم نتنياهو، والحرج الذي سببه الإسراع بوتيرة الاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة، للحكومة الأميركية أمام الرأي العام الأميركي والعالمي. باختصار، يريد اليهود المتطرفون أن يتحولوا بانتهاز حادثة اكتشاف المتفجرات الأخيرة من جلاد إلى ضحية، وهذه صنعة يتقنونها.

أما خطاب أوباما الذي أشار فيه إلى أنه سيضرب «القاعدة» في اليمن، فحديث يثير الشفقة لأنه جاء في عز معاناة القوات الأميركية والقوات الدولية من إخفاقات كبيرة في حربها مع «القاعدة» في أفغانستان وحليفتها طالبان، حتى سمعنا عن بيانات من عدد من دول التحالف عن عزمها الانسحاب من الثرى الأفغاني لأنها أصبحت حربا عدمية، الغلبة فيها لقوات طالبان التي تزيد قوتها وخطورتها يوما بعد يوم. والذي يجب أن تفهمه القيادة الأميركية وهي في حربها الضروس مع «القاعدة»، أن أميركا ذاتها التي وفرت المناخ الذي تنمو فيه بكتيريا الإرهاب وطفيليات «القاعدة»، وذلك من خلال الدعم الأصم الأعمى لكل الممارسات الوحشية التي يقوم بها الكيان الصهيوني، والضعف الشديد الذي أظهرته أمام العناد الصهيوني، خاصة في ما يتعلق باستمرارها الأخير في الاستيطان. هذا الشعور المر بالضيم الأميركي تجاه الحق الفلسطيني والتعامل مع القرارات الدولية بمكيالين هو الذي استغلته «القاعدة» في كل أدبياتها ومبرراتها في تجنيد أعضاء جدد في تنظيمها. هذا فضلا عن الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها أميركا أثناء احتلالها العراق وأفغانستان.

مشكلتنا الأزلية مع الأميركيين أننا كلما أثرنا هذه المسألة الواضحة معهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا.

[email protected]