مأزق التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية

TT

لا يعد وصول المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية إلى طريق مسدود أمرا مفاجئا، فالدرس المستفاد بعد نحو عقدين من المفاوضات الثنائية هو أن المحادثات المباشرة وحدها لا تكفي لضمان السلام. ويتعين أيضا وجود التزام مسؤول لا يتزعزع بالقانون الدولي.

ويضع القانون الدولي معايير السلام العادل ويساعد في ضمان المساواة في معاملة الفلسطينيين والإسرائيليين ويرسم الطريق نحو مصالحة دائمة على أساس ثقافة الحقوق والاحترام المتبادل.

وتعد عملية بناء المستوطنات الإسرائيلية الجارية من أخطر صور انتهاك الحقوق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تأتي المستوطنات، التي تتضمن سرقة للمياه والأراضي الفلسطينية على نطاق واسع، في قلب نظام تمييز عنصري يعزز من خلال شبكة الطرق المنفصلة والأسلاك الشائكة والجدران الأسمنتية والتصاريح ونقاط التفتيش تمييزا ممنهجا وعنفا مؤسسيا ضد فلسطينيين تحت الاحتلال.

وتجعل المستوطنات الإسرائيلية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أمرا مستحيلا من خلال التهامها المتبقي من الأراضي الفلسطينية، مما يمثل تهديدا خطيرا لحل الدولتين. وإذا لم يحدث تجميد شامل لبناء المستوطنات فورا، فلن يكون هناك أي وجود لدولة فلسطينية يتم التفاوض عليها ولا لحل دولتين يمكن الحديث عنه.

وكانت إسرائيل تسعى في الماضي لاستخدام المفاوضات كستار يواري استمرارها في بناء المستوطنات وتكريس احتلالها بشكل أكبر، وفي الوقت ذاته خفض الرقابة والإدانة الدولية إلى الحد الأدنى. وقد تضاعف عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة من 1993 إلى 2000. وما دامت إسرائيل يسمح لها باتخاذ إجراءات وانتهاك القانون الدولي دون أي عواقب، فلن يحدث تغيير يذكر.

لا ينبغي أن يخفى التناقض بين بناء المستوطنات والسلام على أحد، فبينما يتطلب السلام وضع حد للاحتلال الإسرائيلي، يؤكد بناء المستوطنات على استمرارية الاحتلال. ولا يحتاج المرء إلا إلى نظرة إلى مكان وعدد المستوطنات المتفرقة في أنحاء الضفة الغربية المحتلة أو التفكير في مليارات الدولارات التي تستثمر في بنائها، ليدرك حقيقة هذا الأمر. يسير بناء المستوطنات، الذي يهدف إلى الوصول بأطماع إسرائيل في الأراضي الفلسطينية إلى الحد الأقصى من خلال بناء مستعمرات على المزيد من الأراضي الفلسطينية ومنع الفلسطينيين من إقامة دولة قابلة للحياة، عكس صيغة «الأرض مقابل السلام»، التي تقوم عليها عملية السلام في الشرق الأوسط.

ويعني هذا التناقض بالنسبة إلينا أنه خلال الأعوام التي أعقبت اتفاق أوسلو سُرق المزيد من أراضينا وهُدم المزيد من منازلنا، بينما تتلاشى معها آمالنا في الحصول على الحرية والكرامة. لم تؤدِ السياسات الإسرائيلية إلى السلام بل إلى فرض المزيد من القيود والمزيد من المعاناة للفلسطينيين في الضفة الغربية، بينما تستمر إسرائيل في احتلالها لغزة من خلال الحصار وشن حرب شعواء ضد المدنيين الأبرياء والتسبب في معاناة إنسانية لا تُوصف. وعليه، فليس من الغريب أن تفتقر عملية السلام للمصداقية.

لا يمكن لأي فلسطيني أن يقبل استمرار بناء المستوطنات واستعمار الأراضي الفلسطينية سواء كانت في القدس الشرقية المحتلة أو أي جزء آخر من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك لا يمكن لمن يدعم حل الدولتين أن يدعم عملية بناء المستوطنات الجارية.

ويعد التجميد الشامل والكامل لبناء المستوطنات اختبارا لمدى جدية إسرائيل فيما يخص حل الدولتين والمفاوضات، وقد فشلت إسرائيل حتى هذه اللحظة في هذا الاختبار. ولم يكن يوما وقف بناء المستوطنات بصورة مؤقتة بديلا عن التجميد الكامل، حيث كان كل ما قدمه هو المزيد من الشيء نفسه أي المزيد من المستوطنات والمستوطنين والاستفزاز. واستمرت إسرائيل في بناء 3000 وحدة استيطانية وهدم المزيد من منازل الفلسطينيين وبناء الطرق المنفصلة للمستوطنين خلال الستة أشهر الأولى من «الوقف المؤقت».

لقد حاول الفلسطينيون مرارا وتكرارا الدخول مع الحكومة الإسرائيلية في مفاوضات جادة بشأن قضايا الوضع الدائم مثل القدس والاعتراف بحدود 1967 وحق اللاجئين والمياه والمستوطنات، لكن إسرائيل تستمر في التملص من هذه القضايا وفي نقض أي تقدم تم تحقيقه بموجب اتفاقيات سابقة. لماذا نتظاهر بمناقشة حل الدولتين إذن؟ وما الفرص المتاحة أمام الفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل أو بشأن أي من هذه القضايا الجوهرية إذا كان المجتمع الدولي لا يستطيع أن يجبر إسرائيل على تنفيذ تجميد للاستيطان؟

إن المصداقية هي ما تحتاجه عملية السلام في الشرق الأوسط بشدة. والمفاوضات القائمة على مرجعية دولية، والتي تجعل الطرفين ملتزمين بالقانون الدولي وبالتزاماتهما بموجب الاتفاقات الموقعة، وهذه المصداقية هي فقط التي قد تؤدي إلى تحقيق سلام عادل ودائم. وإذا رفضت إسرائيل تجميد الاستيطان، الذي ينص عليه القانون الدولي، فالرد لا يكون بإجبار الفلسطينيين على القيام بالمزيد من التنازلات لاستيعاب الانتهاكات الإسرائيلية، بل يكون بتحميل إسرائيل مسؤولية الالتزام بمتطلبات السلام العادل والشامل.

* كبير المفاوضين الفلسطينيين

* خدمة «واشنطن بوست»