إلى الرياض..

TT

منذ سقوط نظام صدام حسين كانت العراق أكثر الدول رفضا للتدخل الأجنبي، رغم أنها في الواقع أكثر دولة امتدت إليها اليد الأجنبية من كل الجهات، عدا الجهة الجنوبية منها. الكل له نصيب في العراق من تركيا وإيران وسورية وقوات التحالف من مختلف الجنسيات، ومع ذلك حافظ العراقيون على نغمة رفض التدخل الأجنبي طوال هذه السنين. ربما الدولة الوحيدة في المنطقة المحاذية للعراق، وذات الثقل الإقليمي، التي توافقت رغبتها مع هذه الدعوة، هي السعودية.

اليوم أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز عملية إسعافية في وقت حرج بدعوته للفرقاء العراقيين للاجتماع في الرياض، هي عادة سعودية أكثر من كونها تصرفا استثنائيا، من الطائف عاصمة الوفاق اللبناني إلى مكة موقع الميثاق الفلسطيني.

في لبنان، رغم كل المخاوف والقلق مما سيحمله الغد، رغم الأحداث المتجددة التي تفوح منها رائحة البارود، فإن أكثر اللبنانيين، حتى الشيعة منهم، ينامون كل ليلة بشعور عميق بالارتياح لأنهم يعلمون أن السعودية تولي اهتماما كبيرا باستقرار لبنان، وتضع ثقلها السياسي والدبلوماسي بشكل مباشر أو غير مباشر لتفادي حصول اشتباكات داخلية يوعز بها إلى الميليشيا المسلحة، حزب الله، أو اعتداءات خارجية من إسرائيل. وكما في لبنان، كان هناك شعور عام بحاجة العراق إلى طرف عاقل ليست لديه حسابات خاصة داخل العراق، لا أهداف تكتيكية ولا استراتيجية سوى إحلال الأمن والاستقرار، وعندما هجرت السعودية العراق لم تكن قد أقفلت بابها في وجهه، بل تركته مواربا لكل الأطياف العراقية ممن يحملون الهدف السلمي والرغبة في المشاركة السياسية، ولكن دون تدخل مباشر منها.

السعودية خدمت بهذه المبادرة جهتين، الأولى هي العراق بالطبع، فإن كانت معادلة «س+س» في لبنان تؤتي أكلها حتى الآن، فمن المؤكد أن معادلة «س+إ» هي الوصفة العلاجية الحاضرة اليوم في العراق، أي السعودية وإيران. فحتى المالكي، المحسوب على الإيرانيين، إن كان له من الأمر شيء فلن يتردد في الحضور، لأن الإجماع عليه في الرياض سيمنحه شرعية عربية هو في أمسّ الحاجة إليها.

أما الجهة الأخرى المستفيدة من هذه المبادرة فهي الجامعة العربية التي تقام الدعوة تحت مظلتها، والحقيقة أن الدعوة هي التي منحت الجامعة العربية هذا الدور المحوري والجوهري في العراق وليس العكس، خصوصا في ظروف تمر بها الجامعة هي الأصعب في تاريخها، حين أصبحت حلول مشكلاتها وعلاج ضعفها بتفكيكها أو بخلطها بقوميات أخرى.

السعودية لم تقدم للبنانيين في الطائف إلا أجواء الوئام وصيغة للسلم الأهلي، ولم تقدم في مكة للإخوة الفرقاء من فتح وحماس إلا نصيحة الأخ الأكبر وعهدا بالرعاية ما داموا ملتزمين بوثيقة حملت هيبة مكة، ولن تمنح العراقيين أكثر من ذلك، خصوصا أن منصب رئاسة الوزراء في العراق منذ سقوط النظام السابق لم يقدم أي خطوة حقيقية باتجاه العلاقات العربية - العربية، وهو أمر لم يعد واقع العراق الجديد يتحمله، كما أن شهورا من محاولة تشكيل الحكومة العراقية تشرح نفسها بأن كل الأطراف التي تورطت داخل العراق سواء عربية أو إيرانية أو أميركية لم تقدم للعراقيين سوى التشرذم.

* كاتبة وأكاديمية سعودية جامعة الملك سعود