عمليات إرهابية محتملة

TT

سعت القيادة السياسية الكردية إلى تصفير المشكلات مع دول الجوار، لا سيما بعد التغيير في العراق عام 2003، واتبعت سياسة التهدئة ولجأت إلى ممارسة أعلى درجات ضبط النفس حيال صناعة الأزمات المفتعلة، والابتعاد عن التصعيد إزاء الاختراقات للحدود والقصف على القرى، لتفويت الفرصة على من يراهنون لجر الإقليم إلى منزلقات تسهم في عرقلة الخطط التنموية في البناء والإعمار وتوفير البيئة الجاذبة للاستثمار، نتيجة القوانين المشجعة لاستقطاب الأجانب، فضلا عن الاستقرار الأمني الذي يشكل علامة بارزة في الإقليم، بسبب نجاح الأجهزة الأمنية ولا سيما وكالة حماية أمن إقليم كردستان التي تعد من أكثر الأجهزة الأمنية أهمية في الإقليم، مما وفر مساحة من التفرغ لعمليات البناء والعمران الذي أخذ يتسارع بوتائر غير مسبوقة، حتى وصل عدد الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم بالمئات وبعشرات المليارات من المال المستثمر.

وعلى الرغم من التجربة الفتية لممارسة الديمقراطية، استطاع الساسة الكرد أن يؤسسوا تجربتهم بنجاح، وتعاملوا بروح التسامح إذ عفي عن الأطراف التي وقفت إلى جانب النظام الفاشي، وتحول الإقليم إلى ملاذ آمن لجميع الإثنيات والطوائف والأديان، وتحولت الفرق الحزبية والدوائر الأمنية إلى مراكز ثقافية وأماكن لنشاطات مختلفة لهم، ومنحت التسهيلات والدعم لتوجهاتهم الثقافية والدينية، فضلا عن قوانين متطورة للدفاع عن حقوق المرأة وإشراكها بقوة في الفعالية السياسية..

ولكن هذا الوضع لم يرق للآخرين، ولا سيما لبعض القوى في إيران، فالتحولات السريعة في الإقليم بدأت تشكل مصدر قلق لهم، وعلى ما يبدو وصلوا إلى مرحلة باتوا يمارسون تدخلهم بشكل سافر لم يُجدِ معه وينفع كل دعوات مد الجسور والسلام، حتى وصل الأمر إلى إصدار تحذيرات من وكالة حماية الإقليم تنذر بالخطر وتدعو المواطنين إلى اليقظة والحذر، ورصد الحركات المشبوهة في الأماكن العامة. وهناك مؤامرات تنسج في الخفاء ثم تحدد إيران بالاسم (هناك المزيد من التحركات والتسهيلات الإيرانية لكتيبة كردستان لتنظيم القاعدة في العراق والهدف لتنظيم القاعدة وأنصار الإسلام تجديد نشاطاتهم في الإقليم)، وفي هذا الإطار ثمة تصريح للسيد (إياد علاوي) مؤخرا: إيران تسعى لنشر الفوضى في العراق والشرق الأوسط.

والمراقب للمشهد السياسي يجد أنها سابقة في هذا الاتجاه، فمن النادر أن تصدر تحذيرات من قبل وكالة حماية أمن الإقليم، فضلا عن تأكيد حكومي من أعلى المستويات، فما يترشح من دلالة أن ثمة خطرا حقيقيا على وشك الحدوث، إذ إن التحذير صادر من جهة استخباراتية واسعة الاطلاع وأثبتت الوقائع حقيقة قدرتها على استباق الأحداث واتخاذ الإجراءات المناسبة.. وما يؤكد خطورة الموقف أنه جاء متزامنا مع إشارات أميركية تؤكد ضلوع أطراف إيرانية بمساحة واسعة من الأعمال الإرهابية التي وقعت في العراق.. ولا غرابة في الأمر إذا وضعنا في الحسبان تشديد الحصار الاقتصادي على إيران، ومن مؤشرات تدهور الجانب الاقتصادي تهافت رجال الأعمال لشراء الذهب لفقدان الثقة بالعملة وتصاعد التضخم واشتداد المعارضة للنظام، مما يدفع بالساسة الإيرانيين إلى محاولة تصدير أزماتهم إلى العراق، ولا سيما الإقليم، لتعميق الأزمة في العراق وإفشال التجربة الديمقراطية فيه، وإرسال رسالة إلى الأميركيين، في حالة تعرضها لضربة، ستكون الأزمة أشد وأعمق..

إذن، من الضرورة بمكان أخذ هذه التحذيرات على محمل الجد وبمختلف الصعد، لا سيما أنها صادرة من جهات أمنية أظهرت الكثير من النجاح في محاربة الإرهاب.