احموا مسيحيي العراق

TT

لولا الخشية من أن يعتقد القارئ أن الكاتب يريد ملء المساحة فقط، لقمت بإعادة نشر مقالي «لا بد من حماية المسيحيين» المنشور بتاريخ 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2008. ففي ذلك المقال قلنا إن «واجب العراقيين جميعا، لا حكومة بغداد وحدها، حماية المسيحيين العراقيين من القتل والتهجير، وكل أنواع القمع التي يتعرضون لها، خصوصا أنهم لم يسبق أن كانوا جزءا من تحالفات ضد العراق، ولم يأتوا ببريمر، وغيره. كما أنهم يعانون من أسوأ أوضاع يتعرض لها مسيحيو المشرق».

وكان ذلك على خلفية مناشدة رئيس أساقفة الكلدان في كركوك، الأسقف لويس ساكا، للحكومة العراقية بضرورة حماية مسيحيي العراق، حيث قال يومها إن «المسيحيين في العراق ليست لديهم ميليشيات وعشائر للدفاع عنهم»، مضيفا «أشعر بالألم والظلم لأن أبرياء يقتلون ولا نعلم لماذا».

ووقتها تعرضنا للإدانة والحملات الإعلامية من قبل أناس محسوبين على الحكومة العراقية، لكن ها نحن اليوم نشهد مذبحة وحشية أخرى بحق مسيحيي العراق، مذبحة لم تقع على نقطة تفتيش، أو من خلال اغتيال شخصية مسيحية بمنزل، أو في إحدى الطرقات، بل هجوم مسلح منظم على كنيسة سيدة البشارة للسريان الكاثوليك في حي الكرادة ببغداد، وراح ضحيتها قرابة 52 شخصا، وذلك بعد قرابة عامين من نداء الأسقف لويس ساكا للحكومة بضرورة حماية المسيحيين.

واللافت هو قول الأب يوسف توما مرقس رئيس الآباء الدومنيكان في العراق، بعد مذبحة أمس، إن «العملية كانت محضرة منذ فترة طويلة نظرا للأسلحة والذخائر التي عثر عليها في الكاتدرائية.. الأمر يستغرق وقتا طويلا لإدخالها». كما أن المحزن هو قول خوراسقف السريان الكاثوليك بيوس كاشا «الأمر الأكيد أن أبناء رعيتي جميعا سيغادرون العراق».

وعليه، فإن السؤال اليوم هو: ما الذي اتخذ منذ عام 2008، وليس 2003، من قبل الحكومة لحماية أحد المكونات العراقية من عمليات القمع والعنف المنظم؟ الإجابة للأسف: لا شيء! فمن السهل اتهام تنظيم القاعدة الذي لا يتوانى عن ارتكاب المجازر، والعمليات الوحشية. لكن، وما دام مسيحيو العراق مستهدفين علنا، ويجهرون بالصوت طلبا للحماية من قبل الحكومة، فأين حكومة نوري المالكي منهم؟

أحد الرهائن في عملية يوم أمس الإرهابية يقول إن «رجالا يرتدون ملابس عسكرية اقتحموا الكنيسة حاملين أسلحتهم وقتلوا كاهنا على الفور». ومعلوم ومنذ 2008 أن مسيحيي العراق، الذين غادر قرابة نصفهم البلاد، باتوا يلجأون للكنائس بحثا عن الحماية من أعمال العنف، بل إن اللافت هو أن الكنيسة المستهدفة كانت تحت حماية رجال الأمن. فكيف تم ذلك الاختراق؟

ولا نملك إلا أن نعيد ما قلناه في 2008 وهو أن استهداف الأقليات، ومنهم المسيحيون العراقيون، يعني تفتيت العراق، والإخلال بتركيبته الثقافية، والسياسية. فمن يضمن أن الأمر يقف عند الأقليات الصغيرة، فاستثناء طائفة أو إثنية يعني فتحا لأبواب الجحيم، التي يستطيع البعض إشعالها، لكن لا أحد يضمن إخمادها. ومن يضمن أيضا ألا يكون هذا، غدا، نصيب مسيحيي لبنان، لا قدر الله. ولذا نقول: احموا المسيحيين في المشرق لتحموا فضيلة العيش المشترك.

[email protected]