السكوت أحسن

TT

انتقدني البعض على هذا السكوت الذي لازمني عن كل ما يجري في العراق وفلسطين وعالمنا الإسلامي عموما. الحقيقة أن أم نائل جاءتني قبل أيام بهذا الملحق المفصل بثماني صفحات عن وثائق «الوكيليكس»: «اقرأ ولا تتهرب مرة أخرى عما جرى في بلدك». سمعا وطاعة. قرأتها مجبرا ثم التفت إليها بغضب ويأس: «لماذا تصرين على إضاعة وقتي بقراءة أخبار العراق؟».

يقول المثل: «الله ينعرف بالشوف أو بالعقل؟» لماذا أضيع وقتي بقراءة شيء أعرفه بالعقل. التعذيب والتقتيل شيء جارٍ في معظم دول العالم الثالث وفي كل عهودها بما فيها العهد الملكي في العراق. الأميركان يغمضون أعينهم عما يجري ويشاركون فيه أحيانا، شيء جارٍ أيضا ومتوقع. لماذا أضيع وقتي بقراءة أخباره؟

حقيقة مُرة نعرفها بالعقل. الأكثر مرارة أن الكثير من هذه الدول المتخلفة والغارقة في هذه الاضطرابات لا تستطيع أن تعيش وتحكم وتحقق الأمن لشعبها بدون هذه الأساليب.

قالوا: ما الحل؟ لقد قلته مرارا. هذه الدول التعبانة، العراق وأفغانستان والصومال، ومن لف لفها، نالت استقلالها قبل الأوان. ما تحتاج إليه هو وصاية دولية تتولى شؤونها. المشكلة هي أن الاستقلال أصبح تجارة يعيش عليها وينعم بخيراتها ألوف الوطنجية والإسلامجية. وسيريقون آخر قطرة من دم شعوبهم لمنع الأجنبي من محاسبتهم على ما سرقوه.

ينقلنا ذلك إلى المشكلة الثانية. وهي أن الدول الغربية القادرة على الاضطلاع بمهمات الوصاية لا تريد في ضوء ذلك زج نفسها والتضحية بدماء أبنائها في هذا الأتون من أجل شعوب ناكرة للمعروف ولا تنفك عن شتمها وتحميلها مسؤولية كل ما يجري في البلد من مصائب.

مشكلة ثالثة. كيف يستطيعون الاضطلاع بالوصاية؟ ألغت الدول الغربية (باستثناء أميركا) عقوبة الإعدام وحرمت التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان واعتقال أي مواطن لأكثر من أيام معدودة بدون توجيه تهمة قضائية. قضت أيضا باحترام حقوق وسائل الإعلام في فضح أي مخالفة لهذه المتطلبات. قولوا معي، كيف سيستطيعون إذن إدارة شؤون هذه الشعوب المعتادة على التآمر والكيد والعمل السري والعنف والفساد والإرهاب؟

طريق مسدودة. حاولت أميركا فتحها بترك الأعمال «الوسخة» للحكام المحليين والتظاهر بأنها لا تعرف شيئا عما يقومون به، أو أنه ليس من حقها التدخل بشؤونهم الوطنية وخرق سيادة بلدهم. هذا هو السر في الإسراع بنقل المسؤولية وسحب قواتهم. فلتفعل الحكومات ما تشاء بشعوبها وثروات بلادها، ما داموا ضمنوا لأنفسهم ما يحتاجون إليه من المصادر، نفط أو معادن أو يورانيوم أو أسواق لمنتجاتهم، وما داموا هيمنوا على متطلبات الساعة، كمنع المخدرات وردع الإرهاب وحماية إسرائيل.

ماذا عن الديمقراطية؟ اعتقدوا بالأمس أن حل مشاكل العالم الإسلامي يتطلب إقامة الديمقراطية. لكن التجربة غيرت رأيهم الآن. فوقعوا في هذا المطب، بين الدعوة للديمقراطية ومشاكل تطبيقها عند شعوب لم تبلغ سن الرشد، أو بلغته قبل قرون ودخلت الآن سن الشيخوخة والزهايمر.

ما الحل؟ ليس غير معجزة من الله تعالى. وهو ما يقوله الإسلاميون.