من اليمن.. إلى الكنيسة

TT

لو وضعنا سؤالا افتراضيا هو كم من الوقت نحتاج لتنظيف المنطقة من أفكار التطرف والعنف والإرهاب إذا توفرت السياسات الصحيحة والإرادة والإمكانيات المالية.. الإجابة ستكون بالقطع ليس سنة أو سنتين ولكن عقد أو عقدان إن لم يكن أكثر من ذلك، فمثلما احتاج هذا الفيروس وقتا لكي ينفذ إلى جسم المنطقة ويصبح خطرا وظاهرة، سيحتاج وقتا لاجتثاثه.

المقصود ليس حفنة الأشخاص الذين يتآمرون لوضع قنبلة هنا أو هناك أو تفجير سيارة مفخخة وتنفيذ هجوم انتحاري، فمهما كان حجم الدمار والأذى الذي يسببونه فإنهم مجرد حفنة عقول مريضة لا يمثلون تيارا عاما. المقصود هو البيئة التي أفرزت ذلك وأوجدت تيارا يجد تبريرات ونظريات لمثل هذه الأفعال، في حين أنه لا يوجد أي تبرير للإجرام والقتل العشوائي أو استهداف طوائف أو قطاعات معينة من المجتمع.

خلال أسبوع كانت هناك 3 أحداث، أهمها الذي انشغل به العالم، وقد يكون تم تفادي كارثة بسبب تحذيرات سعودية، وهو الطرود المفخخة التي أرسلت من اليمن، وكما يبدو فإنها كان مخططا لها أن تفجر في الطائرات التي تحملها، ووراءها عقول مريضة لا تجد غضاضة في أن تتفنن في وسائل لتمرير هذه المتفجرات، والهدف هو القتل ولا شيء آخر.

أما الحدث الثاني الأكثر دموية، ولكنه عالميا كان أقل حظوة وهو احتجاز رهائن عراقيين في كنيسة في بغداد، الذي انتهى بشكل دموي وبسقوط عشرات الضحايا بعد أن فجر أحد المسلحين قنابله خلال عملية تحرير الرهائن، والثالث هو الهجوم الانتحاري في قلب اسطنبول الذي قد تكون له دوافع أخرى لكن في النهاية الهدف واحد وهو القتل.

بين طرود اليمن وهجوم الكنيسة في بغداد خيط وأساس فكري واحد وجماعات متشابهة تغذي بعضها حتى بالأفراد، وفي اسطنبول لجوء إلى أساليب العنف الدموي مثل الجماعتين السابقتين حتى لو كانت الأهداف محلية. في اليمن جماعة استغلت صعوبة السيطرة على بعض المناطق لتؤسس لنفسها قاعدة تشن من خلالها حربا عالمية غامضة الأهداف، وفي العراق استهداف دنيء لطائفة تشير تقارير كثيرة إلى هجرة أعداد كبيرة منها إلى الخارج بحثا عن الأمان في وسط أجواء طائفية غير صحية.

والنبع الذي تشرب منه هذه الأفكار وتجد ضالتها في شباب يجري ما يشبه غسيل الدماغ عليهم، هو بيئات مضطربة تعاني حالات إحباط وعدم استقرار وتحديات اقتصادية وسياسية. وبدلا من أن تكدح العقول في البحث عن حلول خلاقة لمواجهة هذه التحديات والنهوض بالمجتمعات، فإنها تقدم وصفات عنف ودمار نتيجتها الوحيدة هي هزيمة مجتمعاتها نفسها.

فقد تنجح جماعة هنا أو هناك في تحقيق مآربها كما حدث في مرات سابقة وتحقق الدوي الإعلامي الذي تبغيه بالدمار والقتل. لكن في النهاية، فإن أبرز متضرر والخاسر الأكبر هو المجتمع المحلي الذي تعيش هذه الجماعات على مص دمائه وتوتير أجوائه. ولننظر هل نجح العنف في أي مكان في تحديث أو تقديم مجتمع، فكل الأماكن التي تواجدت فيها جماعات التطرف لم تشهد استقرارا حتى الآن، والعنف فيها يتصاعد من درجة إلى أخرى ليكون العدد الأكبر من الضحايا هم السكان المحليون، وأفغانستان والصومال نموذج واضح على ذلك.

والسؤال الموجه للذين يجدون التبريرات أو يستعينون بنظريات المؤامرة أو الذين يجدون في مثل هذه الجماعات والأفكار أدوات في ألاعيب السياسة هو: هل تريدون أن تتحول مجتمعاتكم إلى نموذج آخر مشابه للصومال أو حتى أفغانستان، حروب جماعات وطوائف وأعراق، والحصاد خراب ودمار؟..