خلف النجاح

TT

«إحباط محاولة إرهابية جديدة لتنظيم القاعدة».. هكذا قالت عناوين الأخبار العالمية، واللافت أن التنظيم الإرهابي لجأ هذه المرة إلى تفخيخ قطع غيار طابعات إلكترونية بمواد تفجير وتمريرها عبر وسائل النقل العالمية من شركات نقل طرود وشركات طيران، بعد أن جرّب تفخيخ الأحذية وتفخيخ الملابس الداخلية إلى تفخيخ البشر إلى تفخيخ الطرود، وقبل كذلك كله تفخيخ العقول. القاعدة مستمرة في تفخيخ المسلمين!

لكن الخبر اللافت وسط هذا الضجيج الإرهابي هو النجاح الجديد للسلطات الأمنية السعودية في تنبيه العالم وإنذاره بوجود خطر إرهابي وشيك، وتم إبلاغ الحكومات المعنية ونجحت في كشف المخطط الإرهابي، وهو نجاح ثان على التوالي بعد أن تمكنت السلطات الأمنية السعودية باقتدار من تحذير الحكومة الفرنسية من وجود مخطط إرهابي تنوي «القاعدة» تنفيذه بباريس وتحديدا في شبكة «المترو» العريضة.

والداخلية السعودية تشهد نجاحات محورية ولافتة يديرها بنجاح لافت ومميز الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، الذي حول المنظومة الأمنية في السعودية من قطاع يتعامل مع الإرهاب بعد حدوثه إلى مواجهة متيقظة ضد الإرهاب قبل وقوعه، وهذه نقلة نوعية متكاملة في أسلوب وطريقة تعامل القطاع الأمني مع التحدي الإرهابي الكبير.

وهذه النجاحات هي التي جعلت رجل الأمن في السعودية رمز وأيقونة النجاح والفخر بالوطنية، وهو شعور يحس به السعوديون بشكل رئيسي ومركز حين حديثهم عن الأمن ونجاحاته، وهي مسألة مهمة ودقيقة. النجاحات الأمنية الاستباقية لمنظومة مواجهة الإرهاب بالسعودية هي حالة مهمة وتستحق الدراسة بتمعن. الفجوة الموجودة اليوم والمتمثلة في النجاحات الأمنية الهائلة في استباق مواجهات الاعتداءات والتهديدات الإرهابية يقابلها باستمرار وجود تقاعس خطر وحساس في المواجهات الفكرية مع الفكر المتطرف والمتشدد والضال والمنحرف، وهي أسماء مختلفة لمرض وعلة واحدة.

فالفكر لا يزال بخير وموجودا ومواقعه لا تخفى على أحد، ورموزه لا تزال تقدم الآراء والحجج والأعذار، وليس أبلغ من ذلك سوى توجيه أصابع الاتهام إلى «سعودي» في اليمن متهم بأنه هو الذي أعد الطرود المفخخة وطبعا هو لم يقم بهذا الفعل الإرهابي المشين إلا بناء على ما وصل إليه من قناعات فكرية مدمرة. إن النجاح الأمني الجديد والمستمر هو المطلوب أن يكون أداة قياس جديدة للمقارنة مع المواجهات الفكرية وضرورة الخلاص والطلاق البين مع الغث الموجود في الكتب والآراء والفتاوى التي لا يزال يتم التعامل معها بهيبة وشبه قداسة، متجاهلين أنها لعبت دورا مدمرا وكانت بمثابة زيت يوضع على نار مشتعلة، لا نزال كمجتمع نحس ونستشعر بلهيبها لليوم!

لعل أبرز وأهم النجاحات التي تحققت للسعودية من خلال إنجازاتها الأمنية الأخيرة هو انتقال قدراتها كجهاز أمني إلى مصاف الدول الاستراتيجية في المنظومة الأمنية العالمية وأنها باتت إحدى الدول المحورية في الحفاظ على أمن العالم بمفهومه الإنساني والشمولي. واللافت والأهم في التجربة الأمنية السعودية، خصوصا عند مقارنتها بكثير من دول العالم الثالث، أنها لم تأت عن طريق أسلوب قمعي وتعسفي وفرض قوانين طوارئ وحظر تجوال وإغلاق صحف وغير ذلك، بل على العكس تماما كان هناك تأكيد مستمر أن التحدي الأمني هو مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن وأنهم في قارب واحد وسط بحر مظلم هو الإرهاب، والبقاء على استمرار «الحياة الطبيعية» للسعوديين والمقيمين فيها من دون تهديد خطط التنمية أو الاستثمار هو أيضا نجاح لا بد من الإشادة به ويحسب للقائمين على المنظومة الأمنية بالسعودية.

الاعتداء على الممتلكات والأبرياء السعوديين، ثم محاولة الاغتيال التي تعرض لها الأمير محمد بن نايف شخصيا، حولا المعركة مع الإرهاب إلى مسألة «شخصية» بالنسبة لكل سعودي، وجعلا من الأمير الشاب «بطلا» ورمزا للمواجهة الكبرى. النجاحات الأمنية السعودية والإنجازات المبهرة هي قصص نجاح يجب أن تروى وتكون دروسا على منابر المساجد والفصول والندوات لزرع روح الانتماء ومعرفة أن بين السعوديين اليوم رجالا من فصيلة نادرة يسهرون على حماية البلاد والعالم، وهذه قصة يجب أن تروى وبكل فخر واعتزاز وبلا أي خوف أو خجل.