من تخدم «القاعدة»؟

TT

من مذبحة الكنيسة في العراق إلى مخطط الطرود الملغومة المرسلة من اليمن، تترك «القاعدة» بصماتها واضحة في عمليات لا تجني سوى تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ولا تحقق سوى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. التوقيت كان لافتا، فالعمليتان جاءتا قبل أيام من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، و«القاعدة» عودتنا على القيام بعمليات تستهدف التأثير على نتائج الانتخابات سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا. وفي هذه المرة أيضا فإن المستفيد الأكبر سيكون هو اليمين المتطرف الذي رأيناه يشن أبشع هجوم على الإسلام موظفا الجدل الذي أثير حول موضوع المسجد القريب من «غراوند زيرو» في نيويورك ليطلق حملة «انتخابية» شعواء ضد الإسلام وصلت مداها في إشعال النار في نسخ من القرآن الكريم. والأمر الذي لاحظه الكثيرون هو أن الطرود الملغومة كانت موجهة إلى كنيس يهودي في شيكاغو وهي «معقل» أوباما، واستهدافها يحمل رسالة واضحة لضرب الرئيس الأميركي انتخابيا.

الهدف الآخر لتنظيم القاعدة، هو إحداث بلبلة وهزات جديدة في المنطقة، وإثارة مخاوف المسيحيين من المسلمين وتغذية نزعة «صراع الحضارات»، أو بالأحرى حرب الأديان. ويظهر هذا الهدف واضحا في مجزرة الكنيسة في بغداد، التي أريد بها تأجيج نيران الطائفية في المنطقة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تنظيم القاعدة في سعيه لنشر بذور الفتنة الطائفية، لم يستثن أحدا من عملياته. فقد حاول جاهدا، ولا يزال يحاول، إشعال حرب طائفية واسعة بين السنة والشيعة في العراق وخارجه، واستهدف أيضا الكنائس بالتفجيرات ورجال الدين المسيحيين بمحاولات الاغتيال، ليرغم المسيحيين على الرحيل، وليؤجج المخاوف وعدم الثقة بين العالمين الإسلامي والمسيحي. وكان لافتا أن تنظيم القاعدة في العراق الذي يسمي نفسه «دولة العراق الإسلامية» سعى لهدف آخر في عمليته ضد الكنيسة في بغداد، وهو ضرب مصر بمحاولة مفضوحة لصب الزيت على النار وتحريك المخاوف والفتنة الطائفية. فقد هاجم التنظيم في بيانه عقب الهجوم على الكنيسة، أقباط مصر وأمهلهم 48 ساعة للإفراج «عن مسلمات مأسورات في سجون أديرة»، مصرية.

وهاجم التنظيم كذلك سينودس مسيحيي الشرق الأوسط الذي انعقد الشهر الماضي قائلا في مخاطبة للفاتيكان «كما اجتمعتم قبل أيام بنصارى الشرق الأوسط لدعمهم وتأييدهم، الآن اضغطوا عليهم ليفكوا أسر أخواتنا، وإلا القتل سيعمكم جميعا وسيجلب شنودة الدمار لجميع نصارى المنطقة». هذا الهجوم على مسيحيي الشرق الأوسط جاء بعد أن اتخذ السينودس موقفا جلب عليه نقمة إسرائيل، عندما أكد دعمه للحقوق الفلسطينية وأصدر بيانا شجب فيه الطرح الإسرائيلي عن يهودية الدولة، مشددا على أنه لا يمكن لإسرائيل أن تستند إلى عبارة «أرض الميعاد» لتبرير الظلم وتسويق هجرة اليهود وتهجير الفلسطينيين.

وبعدما دعا السينودس العالم إلى وضع حد للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، فإنه لاحظ بقلق العمليات التي تستهدف تهجير المسيحيين من دولهم في المنطقة العربية، سواء عن طريق العنف؛ مثلما يحدث في العراق، أو بالتخويف والاستهداف لمصادرة الأراضي والكنائس؛ مثلما تقوم به إسرائيل في القدس وخارجها.

فلمصلحة من إذن تقوم «القاعدة» بمهاجمة السينودس، وتهديد كل مسيحيي الشرق الأوسط بأن «النهاية لن تكون بقتل الرهائن فحسب»، بل باستهدافهم «في العراق ومصر والشام وسائر بلدان المنطقة»؟ فما تهدد به «القاعدة» هو إحداث المزيد من الفرقة في المنطقة وإشعال فتنة أكبر بين المسلمين والمسيحيين، تسير جنبا إلى جنب مع مساعي تحريك ملف الطائفية وإشعال صراع بين السنة والشيعة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لم يتأخر في استخدام «هدية» «القاعدة»، فخرج بتصريح اعتبر فيه أن «المشكلة الأساسية التي تواجه البشرية اليوم» هي ما وصفه بالإرهاب الإسلامي. فهو قد وجد فرصة سانحة لكي يحاول إيجاد ذرائع جديدة للتملص من الضغوط في موضوع مفاوضات السلام، وللقول إن إسرائيل أيضا ضحية «الإرهاب الإسلامي» الذي يهدد أميركا وأوروبا «والبشرية جمعاء».

نتنياهو يتناسى عمدا أن معلومة التحذير التي قادت إلى إحباط مخطط الطرود الملغومة جاءت من دولة إسلامية هي السعودية، وأن إرهاب تنظيم القاعدة يستهدف دولا إسلامية أكثر مما يستهدف إسرائيل. فكثيرون من الذين يسعون لربط الإسلام بالإرهاب يغضون الطرف عن أن ضحايا «القاعدة» من المسلمين هم الأكثر عددا؛ خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار حجم الدمار الذي لحق بدول إسلامية نتيجة عمليات التنظيم.

بل إن نتنياهو الذي يسارع لدمغ الإسلام كله بأعمال «القاعدة» يتناسى أن متطرفين يهودا قاموا كذلك بإحراق كنيسة في القدس، كما تتعرض أملاك الكنائس إلى عمليات استحواذ من قبل أثرياء وجمعيات يهودية تريد تغيير طبيعة القدس وإلغاء كل وجود غير يهودي فيها. لكن ما هم نتنياهو إذا كان تنظيم القاعدة يقدم له خدمة مجانية عندما يهاجم الكنيسة في بغداد ويهدد كل مسيحيي الشرق الأوسط؟ بل ما هم المتطرفين في كل مكان إذا كانت عمليات «القاعدة» لا تجلب للمسلمين سوى الخراب، ولا يستفيد منها سوى الذين يريدون ضرب الاستقرار في المنطقة؟