إمام مسجد.. مَثله الأعلى (مسّي)

TT

حدثني أحدهم - وأخجل أن أذكر اسمه - عن تركيا وجمال تركيا، وبنات تركيا، وآثار تركيا إلى درجة أنني اعتقدت أنه من أحفاد السلطان (عبد الحميد)، أو على الأقل من أحفاد (كمال أتاتورك).

فقاطعته قائلا: هوّن عليك، فقد سافرت أنا إلى تركيا قبل خمسة عشر عاما (فطفشت)، لم أمكث فيها غير ثلاثة أيام وغادرتها إلى غير رجعة.

فقال: لا، أنت واهم، فالأيام ليست هي الأيام، لقد تغيرت البلاد كثيرا.

فتركته يجود بما في جعبته دون أن أقاطعه.

وعلمت منه في ما علمت أنه موزع وقته بين الليل والنهار، فالليل يعطيه ما يرضي به نفسه، والنهار في ما يرضي به ربّه.

إلى هنا والموضوع بمجمله يكاد أن يكون مقبولا ومبلوعا، إلى أن قال لي: ولقد مكثت في أحد الفنادق ثلاثة أسابيع في منطقة على (البسفور) تبعد عن (إسطنبول) نحو 15 كيلومترا، وفي كل جمعة أذهب إلى المسجد القريب من الفندق لكي أؤدي الصلاة.

قلت له: حلو.

قال: ولاحظت أن إمام المسجد كان شابا يبدو على سيماه آثار الورع، وما إن تنتهي الصلاة حتى يلتف حوله الكثير من المصلين لكي يسألوه، بل إن بعضهم يتمسحون ويتبركون به.

قلت له: كمان حلو، وبعدين؟

قال: في آخر جمعة صليتها في ذلك المسجد سلمت على الإمام وخرجت معه متجهين إلى مواقف السيارات، وتبادلنا خلالها (كروت) التعارف على أمل اتصال بعضنا ببعض، وكانت سيارتي في الموقف ليست بعيدة عن سيارته، وعندما ضربت بعيني تجاهه، إذا بالإمام يفتح شنطة سيارته الخلفية، ثم يخلع جلبابه، وبعد ذلك يخلع عمامته، وأعقبها بنزع (شاربه)، وأكمل على ذلك بنزع لحيته (التركيبة) التي يستعين بمثلها بعض ممثلي السينما، وأصبح رجلا (عصريا) ببدلته (وكرافتته) ووجهه الحليق.

الواقع أنني ذهلت مما شاهدته، فما كان منّي إلا أن أتجه إليه متسائلا عن تصرفه الغريب هذا! فقال لي: إن والدي كان لمدة 40 عاما وهو إمام لهذا المسجد، ولكنه الآن أصبح عاجزا، ولا يريد لأحد أن يكون إماما للمسجد إلا من عائلتنا، خصوصا أنه أخذ هذه الإمامة عن جدي، لهذا طلب مني أن أحل مكانه، وأنا لا يمكن أن أعصي لوالدي أمرا، وبحكم أن المصلين لا يثقون بإمام إلا أن يكون (ملتحيا) ويلبس هذا الزي، فقد فعلت ذلك لكي أرضي وأقنع المصلين بذلك. ثم أردف لي ضاحكا بلهجته العربية المكسّرة قائلا: ألستم أنتم العرب تقولون: ساعة لربك وساعة (لكلبك)؟! - أي لقلبك - فبادلته الضحكة بضحكات وقلت له باللهجة التركية: (عفارم) عليك.

وتوطدت العلاقة بيننا في ما بعد، وقبل أن أسافر بعدة أيام حضرت له مباراة في كرة القدم يلعب فيها في خط الهجوم، ولا أنسى أنه قال لي بعد المباراة إن مَثله الأعلى هو (مسّي) لاعب برشلونة.

فقلت له: هذا هو مثلك الأعلى في اللعب، فمن هو مثلك الأعلى في الدين؟

فقال: إنه (أبو حنيفة النعمان).

[email protected]