البديل

TT

تتحول حالات التدهور والانحطاط والخراب، مع الوقت، إلى حالة عادية ودورة طبيعية في المجتمعات المنهارة. كما يقوم اقتصاد على معطيات ومكونات السلم والألفة والقانون، يقوم اقتصاد على بديل، أو رديف، على مكونات الفلتان والخراب وسلوك الرعاع والخارجين على القانون. تدجن اللبنانيون خلال الحرب الأهلية واعتادوا على ما هم فيه، حتى صاروا يفاخرون في مجالسهم بأي هو الملجأ الأفضل من الآخر. لم تعد المنازل والسيارات الفارهة هي المقياس بل «مفروشات»، الملاجئ، والطرق الخفية التي تسلك للوصول إلى المكاتب أو العودة إلى البيوت.

أصبحت الحركة اليومية، بطبيعتها، مضادة للطبيعة: النفوذ في يد المقاتل، و«القانون» في يد «الأزعر»، والتجارة في يد «الحرامية»، وقرارات الحياة والموت في يد قاتل يعيش فقط من القتل والموت والابتزاز والسرقة والسطو. في مثل هذا التدهور يختبئ الأوادم أو يجوعون أو يبيعون مكتباتهم ومقتنياتهم على الأرصفة في شارع المتنبي في بغداد أو على أرصفة بيروت. وأما في الصومال، فليست هناك كتب لبيعها، ولا في كابل، رغم الرواية الشهيرة «بائع الكتب في كابل».

ثمة مجتمعات من حولنا تتدحرج سريعا نحو «المجتمع الرديف»: اقتصاد قائم على الجريمة والمخدرات والابتزاز والسلاح وتجويع الفقراء وإذلال الأوادم والعمل على أن لا إمكانية لعودة القانون من أي باب.

لذلك عندما تسقط الدول والمجتمعات يصعب قيامها من جديد، لأن في هذا خراب الطبقات الجديدة التي نشأت كالطحالب، على هامش الطبيعة، ثم تمددت فأصبحت هي الطبيعة. بعد نهاية الحرب في لبنان أوكل ما يسمى بالسلام إلى لوردات الحرب. وهؤلاء يدركون أنهم إذ قبلوا ثقافة السلم الحقيقية انتهى دورهم، لأن مبرر وجودهم وازدهارهم، هو استمرار الثقافة الوحيدة التي يرتاحون إليها وترتاح إليهم.

لذلك عندما يعقد المتحاربون «اتفاقا»، يجب أن نتذكر دائما كم اتفاقا عقدوا وكم اتفاقا خرقوا ومزقوا وداسوا بكل اعتزاز؟ هل يعقل أن تعود الحال إلى شيء من طبيعتها في الصومال، بمجرد مجيء رئيس حكومة جديد إلى مقديشو، لا سلطة له إلا على مبنى الحكومة؟ إذا حصل حقا. في أيامه الأخيرة كان سياد بري يلقب «مختار مقديشو»، بينما كان الصومال ينفلت من حوله. دائما تذهب الأمم مع ذهاب الديكتاتور الذي ينسى إقامة المؤسسات بينما هو يغرق أو يتسلط أو يدفعه الجنون إلى اعتقاد النبوة. هكذا أيضا ذهب العراق. وهكذا تبدو مخاطر أخرى، اللهم ردها عن شعوبنا.