«القاعدة» تعيد 2 ماتا قبل 400 عام

TT

عندما جاء الشخص، الأرجح أنها امرأة، إلى محل فيديكس للشحن الجوي في صنعاء، كتبت اسم شخصين وعنوانا واحدا على طردين بريديين. لم يدرك موظف المحل كنه الاسمين، ولا أعتقد أن أحدا في صنعاء، ولا أظن حتى في مدينة شيكاغو، يعرف الاسمين.

ليس لهما وجود ولا عنوان حقيقي في شيكاغو، لكن لهما محل في التاريخ القديم منذ نحو 400 عام. فقد كانا اسمي اثنين من قادة الحملات الأوروبية الصليبية باتجاه الأراضي المقدسة في القدس، حاربا المسلمين وخسرا وقتلا.

لم يكن الاسمان درسا في التاريخ من تنظيم القاعدة بل كانا قنبلتين بسائل «بي تي إي إن» هائل التفجير، الذي لا يمكن كشفه بأي وسيلة فرز للمتفجرات. الاسمان جزء من الدرس الذي تدرسه «القاعدة» لمنسوبيها في جبال اليمن وخارجها. فهي تقول لهم إن الحرب الصليبية لا تزال مشتعلة. كما أن الحرب مع الشيعة المسلمين مستمرة منذ 14 قرنا. وكذلك الحرب على الأنظمة السياسية السنية بهدف إسقاطها لم تتوقف. وحرب «القاعدة» على المجتمع المسلم، ضد النساء والتحديث والعلوم، أيضا من أدبياتها، و«إصلاح» المجتمع من أهدافها.

وإذا كان موظف المحل في صنعاء لم يتعرف على الاسمين التاريخيين، الإسباني دييغو والفرنسي بيير، إلا أنه كان يفترض أن ينتبه إلى أن العنوان المرسل إليه الطردان هو معبد يهودي في شيكاغو، وأن تتحرك حاسة الشك داخله فورا. فلا يعقل أن في صنعاء من يريد إرسال شحنة إلى معبد يهودي، وإذا وجد فلا بد أن يثير الانتباه في ظروف أمنية استثنائية يعيشها اليمن. لكن حتى هذه الغلطة يمكن أن تفوت على موظف بريد لا يدقق كثيرا ما دامت العناوين شرعية مثل الولايات المتحدة ومدينة شيكاغو، وربما ظن أن في شيكاغو يهودا يمنيين.

وإذا لم ينتبه إلى الأسماء التاريخية، ولا إلى عنوان المعبد، كان يفترض أن تثيره طبيعة الشحنة نفسها. فمن ذا الذي سيرسل طابعة كومبيوتر من اليمن إلى الولايات المتحدة؟ المنطق يقول العكس. والسؤال الثاني، لماذا يرسل أحد ما طابعتين بالبريد الجوي المكلف جدا، وسعر البريد في حقيقة الأمر أغلى من ثمن الطابعة؟

لا تلوموا موظف البريد فلم يكن الوحيد الذي فاته اكتشاف الطرود المفخخة التي مرت أمام أنفه. فأكبر جهازي أمن في العالم، الأميركي والفرنسي، أيضا، عجزا عن اكتشاف كنه المؤامرة، التي بُلّغا بها قبل عشرين يوما تقريبا في رسالة استخباراتية. باريس تعجلت بإذاعة البلاغ الأمني، أما واشنطن فقد صمتت إلى قبيل ساعات من موعد التفجير. عجزت أجهزة الأمن عن اكتشاف أين وكيف ستضرب «القاعدة»، حتى حصلت على بيانات (بوليصة) الشحن، وحينها صار الأمر سباقا مع الدقائق للعثور على الطردين المفخخين، ولولا البلاغين لانفجرت الطائرتان في سماء شيكاغو.

وهذه هي الحقيقة الثالثة الجديدة، فالمعبد اليهودي لم يكن المستهدف، كما ظن الجميع في البداية اعتمادا على العنوان المسجل على الرسالتين. فقد جهزت «القاعدة» الطردين لينفجرا في الجو عند بلوغ الطائرتين سماء شيكاغو وليس بعد ذلك. ولا ننسى أن «القاعدة» تستغل المعلومات المتاحة للجمهور على الإنترنت، حيث يوجد برنامج يمكن صاحبه من رصد حركة الطائرات، ومن خلال مواقع شركات الشحن يعلم بشكل دقيق مسار رسائله البريدية وأين صارت. هكذا كانت ترصد حركة قنبلتيها. ومن خلال شرائح الهاتف كانت تنوي تنشيط المتفجرتين فوق المدينة وارتكاب عمل مروع آخر بطائرتين في يوم واحد في السماء. كانت الخطة أن تكون شيكاغو المدينة الثانية بعد نيويورك التي هوجمت بالطائرات في 11 من سبتمبر (أيلول).

«القاعدة» لم تكن تريد تدريس الناس التاريخ لكنها أرادت إرهاب العالم، وخلق عداء للمسلمين وتفجير حرب بين أتباع الديانات والمذاهب.

[email protected]