المالكي والملك

TT

هناك تيارات وشخصيات في عالم السياسة بلغت من المصداقية لدى جمهورها ما يجعل مجابهتها كالسباحة ضد التيار، ورغم أن السياسة العربية اليوم تخلو من تيارات سياسية جارفة، فإن هناك شخصيات متفقا عليها عربيا ولا يشكك أحد في نزعتها العروبية، وأبرزها الملك عبد الله بن عبد العزيز. قد يختلف البعض مع سياسات المملكة ويوجه النقد إلى شخصيات عامة فيها، ولكن نادرا ما يوجه هذا النقد، سواء كان من عتاة الليبرالية أو الغلاة المتشددين، إلى الملك عبد الله، فهناك إجماع على نزاهة الرجل وصدق نيته.

ولذا، فإن التشكيك في نوايا الملك عبد الله، من حيث حبه للعرب ونخوته العروبية، هو نوع من الانتحار السياسي. وهذه النصيحة أقدمها إلى المتطرفين في مجموعة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذين بدأوا شن حملة رافضة لمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز الداعية للحوار بين العراقيين، وسوف تستضيفه الرياض تحت مظلة الجامعة العربية بعد الحج، أي بعد أسبوعين من الآن، أي بعد أن ينتهي العراقيون من حوارهم الذي دعا إليه رئيس إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني.

في حوار على شبكة «بي بي سي» العربية، استضافتني المحطة في حوار مع أحد رجال تيار المالكي الذي بدأ يكيل للسعودية الاتهامات وكأنها المسؤولة عن كل ما حل بالعراق، فجاء ردي بالتركيز على المبادرات التي قامت وتقوم بها المملكة؛ من اتفاق الطائف الخاص بلبنان، إلى جمع قيادات فتح وحماس في مكة، وكلها مبادرات تسعى بمجملها إلى تعزيز دور الدولة العربية والحفاظ على أمنها واستقرارها. وحظ الرجل العاثر هو أنني كنت قد تحدثت مع الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى قبل اللقاء، حيث أكد لي الأمين العام أن المبادرة تحت مظلة الجامعة العربية. نعم هي مبادرة تقودها المملكة العربية السعودية، ولكنها الآن مبادرة الجامعة العربية، وتحظى بإجماع عربي. إذن النقطة الأساسية هي أن المبادرة مبادرة عربية من أجل عروبة العراق. والعروبة هنا ليست مفهوما ثقافيا فقط، ولكنها مفهوم أمني أيضا. فالأمن الإقليمي العربي يختل إذا ما خرجت منه أي دولة عربية، والعراق بلا شك أكثر من ضروري للأمن القومي العربي، كما أن العروبة بمعناها الواسع ضرورية من أجل أمن العراق. العروبة كثقافة هي الجانب الناعم من الأمن العربي، حيث تمثل الجيوش والعتاد الجانب الصلب من هذا الأمن.

سوف يخسر المالكي وجماعته كثيرا إن وقفوا ضد مبادرة عربية يقودها الملك عبد الله بن عبد العزيز، لأن المبادرة تمثل إجماعا عربيا بضرورة عودة العراق إلى الحاضنة العربية، لا أن يسلم العراق لإيران أو للأميركيين، إضافة إلى الإجماع العربي على صدق نوايا الملك عبد الله بن عبد العزيز. العراق، رغم تعدد أعراقه، عربي الثقافة والهوية وجزء لا يتجزأ من العالم العربي، فأي محاولة من أي جماعة ضد عروبة العراق محكوم عليها بالفشل، فهل يسمع المالكي نداء الملك، أم يسبح ضد التيار ليكسب جولة لنفسه وجماعته ويخسر العراق؟