أكملوا عمل رابين

TT

يصادف اليوم ذكرى مرور 15 عاما على تسبب رصاصة لأحد القتلة في مقتل صديقي، إسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق. ومنذ وفاته، لم يمض أسبوع إلا وشعرت بفقدانه والوحشة إليه؛ فقد كنت أحبه هو وزوجته «ليه» كثيرا جدا. وبمناسبة الذكرى السنوية لوفاته، سوف يحسن العالم صنعا إذا تذكر دروسا من حياته: مثل رؤيته للحرية والتسامح والتعاون والأمن، وقد أصبح السلام مطلبا حيويا الآن بنفس القدر الذي كان عليه منذ 15 عاما، عندما تحدث بسعادة وغنى للسلام في مسيرة حاشدة في تل أبيب قبل وقت قليل فقط من مقتله.

ولم يكن من طبع رابين التظاهر على الإطلاق. وعندما أرسله ديفيد بن غوريون كشاب لتمثيل إسرائيل خلال محادثات الهدنة في عام 1949، لم يكن رابين وقتها قد ارتدى ربطة عنق من قبل، لذا ربطها صديق له وأوضح له كيف يمكن خلعها مع الاحتفاظ بربطتها لاستخدامها في المستقبل. وكما كان متوقعا، وصل رابين قبل أسبوعين من اغتياله إلى واشنطن في فعالية تستدعي ارتداء ربطة عنق سوداء، لكنه لم يكن يرتدي هذه الربطة. عندها استعرنا واحدة له، ولكنني ما زلت أبتسم كلما تذكرت عندما كنت أضبط الربطة له، مثلما تفعل هيلاري عندما تتذكر كيف اشتكى رابين بعدما جعلته يخرج إلى شرفة قاعة ترومان لكي يدخن سيجارته.

وهناك ترابط بين قصة إسحق رابين وقصة إسرائيل؛ فقد حمل رابين السلاح من أجل الدفاع عن حرية إسرائيل وضحى بحياته من أجل تأمين مستقبل إسرائيل. وعندما قدم إلى البيت الأبيض في عام 1993 للتوقيع على إعلان المبادئ مع الفلسطينيين، كان بطلا عسكريا مستعدا بشكل فريد لقيادة شعبه إلى عهد جديد. وقبل مصافحة ياسر عرفات، الرجل الذي اعتبره لفترة طويلة عدوه اللدود، تحدث بشكل مباشر إلى الشعب الفلسطيني فقال: «كفانا دماء ودموعا. كفى. ليس لدينا أي رغبة في الانتقام. ونحن لا نضمر أي كراهية تجاهكم. ونحن مثلكم، بشر وأناس نرغب في بناء وطن وزرع شجرة والشعور بالحب والعيش جنبا إلى جنب معكم بكرامة وبتعاطف كبشر وكرجال أحرار. ونحن اليوم نعطي للسلام، ونقول مجددا لكم كفى. دعونا نصل من أجل مجيء اليوم الذي نقول فيه جميعا: (وداعا للأسلحة)».

وبعد مرور عقد ونصف على وفاته، ما زال لدي إيمان بأنه إذا كان رابين قد عاش، لكنا قد توصلنا خلال ثلاث سنوات إلى اتفاق شامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن المؤكد أن أعداء السلام كانوا سيحاولون أن يقوضوا هذه الخطوة، ولكنني كنت واثقا من إمكانية ظهور عهد جديد من الشراكة المستمرة والرخاء الاقتصادي.

وكان رابين سباقا لعصره بعدة طرق. وقد تداخلت نهاية حياته مع ظهور العصر الأكثر ترابطا في التاريخ الإنساني مع ظهور الإنترنت وبدء عصر العولمة. وتعتبر الروابط التي تربط الإسرائيليين والفلسطينيين، لأنهما شعبان قدر لهما بأن يعيشا مع بعضهما على نفس الأرض، حسب تعبيره، نموذجا قويا على الروابط التي تربطنا جميعا حول العالم. ونحن مرتبطون بعدة طرق بدرجة لا يمكن معها أن ننفصل عن بعضنا البعض.

ولهذا السبب، يتعين علينا أن نتبنى القضية التي ضحى إسحق رابين بحياته من أجلها: وهي بناء مستقبل مشترك تكون فيه الإنسانية المشتركة أهم كثيرا من خلافاتنا المثيرة للاهتمام كل بطريقته الخاصة. ويمكننا جميعا أن نفعل شيئا ما في مجتمعاتنا أو حول العالم من أجل بناء القوى الإيجابية وتقليل القوى السلبية للترابط.

وكان رابين شخصا مثاليا صعب المراس. وكانت موهبته الكبرى تتمثل في الحفاظ على ثقة العامة مع اتخاذ مجازفات مدروسة من أجل تحقيق السلام. وهذا التوجه انعكس بالشكل الأفضل في مبدئه التوجيهي الشخصي: وهو أنه سوف يعمل من أجل تحقيق السلام وكأنما لا يوجد إرهاب، وسوف يحارب الإرهاب وكأنه ليس هناك عملية سلام.

وإذا كان بمقدوره أن يتحدث إلينا اليوم، لكان قد طلب منا تذكره ليس من خلال الحداد الذي يمكن أن يكون قد حدث بالفعل، ولكنه عبر النظر بوضوح إلى الفرص والعقبات التي تعترض طريق السلام ومواصلة العمل الموجود في أيدينا.

وتوجد فرصة حقيقية لإنهاء العمل الذي بدأه، فالأطراف تتحدث مع بعضها، كما يحظى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالدعم الذي يحتاج من شعبه ليبرم اتفاقا. ويقول الكثير من الإسرائيليين إنهم يثقون في أنه قادر على تحقيق سلام يحمي ويصون أمنهم. وعلى ضوء البنود التي وافق عليها في أواخر 2000 رئيس الوزراء آنذاك إيهود باراك ودعمها بتفاصيل أكبر رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت ووافق عليها الرئيس محمود عباس وفلسطينيون آخرون، يعرف الجميع شكل الاتفاق النهائي.

ويمكن حل القضايا المتبقية، مع توافر المحفزات على القيام بذلك. ولدى إسرائيل أفضل شريك لها في الحكومة الفلسطينية داخل الضفة الغربية على رأسها الرئيس عباس ورئيس الوزراء سلام فياض الذي لديه قدرة على توفير الأمن وتحقيق تنمية اقتصادية، وقد برهن بالفعل على ذلك. ومبادرة السلام التي عرضها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز تمنح إسرائيل اعترافا سياسيا كاملا وتطرح احتمالية التعاون الاقتصادي والأمني مع مجموعة من الدول العربية والإسلامية مقابل التوصل إلى اتفاق. كما أن الكثير من الدول العربية منشغلة بجهودها الاقتصادية وفيما يتعلق بالتحديث الاجتماعي، وهو ما يثبت أنهم مستعدون لترك خلافات الماضي ومتحمسون لجني ثمار احتمالات التعاون مع إسرائيل.

وفي هذه الأثناء، لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بتعظيم المكاسب وتقليل مخاطر السلام، وهي قناعة يؤمن بها الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية كلينتون ومبعوث الإدارة الخاصة للمنطقة جورج ميتشل وزملاؤهم.

في هذا اليوم المشرق الباعث على الأمل عام 1993، وقف إسحاق رابين داخل البيت الأبيض وتحدث قائلا: «نعطي اليوم السلام فرصة، وأقول لكم مرة أخرى: كفى».

لنتضرع بالدعاء في هذه الذكرى بأن تتم خدماته وتضحياته في الأراضي المقدسة، وبأننا جميعا - وبغض النظر عن المكان الذي نعيش فيه أو قدراتنا التي نمتلكها - سنقوم بالجزء المنوط بنا من أجل بناء عالم يسود فيه التعاون على النزاع. وستبقى روح رابين تضيء لنا الطريق، ولكن يجب أن نقرر جميعا السير فيه.

* الرئيس الأميركي الأسبق

* خدمة «نيويورك تايمز»