6 شخصيات و5 نصوص متضاربة

TT

لقد حل هذا الوقت من العام مجددا: وقت إجراء «مفاوضات» بين إيران وما يسمى المجتمع الدولي. وقد أصبحت هذه التجربة جزءا من المفكرة الدبلوماسية منذ عام 2005 عندما طالب مجلس الأمن، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المشكوك في تطويرها لأسلحة نووية، بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم.

وقد استجابت طهران لهذه المطالب بضبابية تقليدية، وقالت إنها لا تقبل قرارات منظمة الأمم المتحدة الخمسة، ولكنها على الرغم من ذلك مستعدة لمناقشة هذه القرارات مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، إلى جانب ألمانيا في إطار «مجهود أوسع» لإعادة تشكيل النظام الدولي.

بأسلوب آخر، تقترح طهران تحويل مجموعة «5+1» إلى مجموعة «5+1+1» مع دخول الجمهورية الإسلامية الإيرانية كعضو جديد في فريق القيادة العالمية. وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد طالب بتشكيل نظام عالمي جديد يتم فيه الاعتراف بالجمهورية الإسلامية الإيرانية كـ«قوة عظمى»، وهو الاقتراح الذي سيمهد الطريق تجاه حدوث «تحول أساسي» للنظام العالمي.

وخلال فترة حكم الرئيس باراك أوباما، تبنت الولايات المتحدة تحليلا قائما على افتراضين، الأول هو: أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتصرف بشكل سيئ؛ لأن لديها شكاوى ومظالم مشروعة ينبغي تناولها والتعامل معها. وبطريقة أخرى، إذا كانت الجمهورية الإسلامية تطور ترسانة نووية، فإن هذا هو خطأ الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. والفرضية الثانية هي: أنه إذا تم علاج هذه المظالم غير المحددة، فسوف توقف طهران برنامجها النووي. وكلا الافتراضين خاطئ؛ حيث لا تمتلك الجمهورية الإسلامية أي مظالم محددة. ولكنها ترغب فقط في أن تحل محل الولايات المتحدة كقوة رئيسية في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، طورت الجمهورية الإيرانية عددا من التحالفات في هذه المنطقة، واكتسبت دولا أصبحت تابعة لها، خصوصا سورية، وربما لبنان والعراق قريبا جدا. والافتراض الثاني خاطئ بشكل متساو؛ حيث بدأت إيران برنامجها النووي عام 1972 عندما كانت حليفة للولايات المتحدة. وعرفت الولايات المتحدة منذ البداية أنه على المدى المتوسط أو المدى الطويل سوف يشتمل البرنامج النووي الإيراني على بعد عسكري. وهذا هو سبب استبعاد الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون بشكل واضح تقديم أي مساعدة لإيران في المجال النووي ضمن صفقة أسلحة كبرى منحت إيران فرصة فريدة للوصول إلى المجال الكامل من الأسلحة الأميركية. وفي عام 1974، واصل الرئيس غيرالد فورد هذا التوجه، عندما اعترض بشكل فعال على عقود لبناء محطات طاقة نووية في إيران، وهو ما أجبر الشاه على التحول إلى ألمانيا وفرنسا.

ويسير البريطانيون تحت قيادة رئيس وزرائهم الجديد، ديفيد كاميرون، على الطريق الخاطئ بشكل متساو؛ حيث يعتقدون أن أحمدي نجاد هو من أمر بتخصيب اليورانيوم وأعطى البرنامج الإيراني بعدا عسكريا؛ لذا تحاول لندن المساعدة في الوصول إلى بديل «معتدل» لأحمدي نجاد. وفي الأسابيع الأخيرة، كان المسؤولون البريطانيون يجرون «اتصالات مثمرة» مع أشخاص مقربين من الرئيسين السابقين للجمهورية الإسلامية الإيرانية: هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. ويحاول بعض الخبراء، المقربين من حكومة الائتلاف الجديدة في لندن، دعم شخصيات قيادية محتملة أخرى داخل المؤسسة الخمينية في طهران. والحقيقة هي أن رفسنجاني هو الذي أحيا البرنامج النووي الإيراني عام 1989، والذي كان قد تخلى عنه آية الله الخميني عام 1979. وفيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، كان محمد خاتمي هو من ضغط على زر «الانطلاق» قبل وقت قصير من تركه منصبه عام 2005.

والتحليل الألماني مشكوك فيه أيضا؛ حيث يقوم على فرضية مفادها أن إيران تحت حكم الخمينيين تعاني «قلة الإنجازات» الاقتصادية ويمكن إعادتها إلى النظام العالمي عبر التجارة. ووفقا لهذا التحليل، يبدو جزء من الزمرة الحاكمة على الأقل، خصوصا داخل قوات الحرس الثوري الإسلامية التي يتزايد نفوذها بشكل متنام، أكثر اهتماما بنقل إيران إلى مصاف الدول الغنية بدلا من تطوير قنبلة نووية.

وتشترك الصين، وهي قوة تجارية عظمى ولكنها تفتقر إلى سجل سياسي موثوق، على الأقل، في جزء من التحليل الألماني؛ وهذا هو السبب الذي جعل الشركات التي تمتلكها قوات الحرس الثوري الإيرانية تبرز كشركاء تجاريين رئيسيين للصين في إيران. وخلال العام الماضي، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإيران مع وصول قيمة صادراتها إلى طهران لمبلغ 30 مليار دولار أميركي، متفوقة بذلك على ألمانيا التي بلغت قيمة صادراتها إلى إيران 10 مليارات دولار أميركي.

لكن التحليل الألماني خاطئ بشكل متساو؛ حيث يحقق جزء من المؤسسة العسكرية الإيرانية، خصوصا داخل قوات الحرس الثوري الإيراني، الذي يعتمد عليه التحليل الألماني، أرباحا مالية كبيرة بالفعل. وبحسب دراسة حديثة أجرتها غرفة تجارة طهران، فإن الشركات التي تمتلكها قوات الحرس الثوري الإيراني هي المستفيدة الأساسية من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة على طهران منذ عام 2005. ويعتقد أصحاب المليارات في قوات الحرس الثوري أن بإمكانهم صناعة قنبلة نووية وتحقيق أرباح إضافية.

التحليل الروسي ليس واضحا جدا وقت كتابتي هذا المقال؛ حيث حاول فلاديمير بوتين، الذي ينظر إليه في بعض الأحيان على أنه الشخص الذي يمتلك مقاليد الأمور ويديرها من وراء الستار في موسكو، أن يستخدم الجمهورية الإسلامية الإيرانية كورقة ضغط ضد الولايات المتحدة في سياق صراعات القوى الكبرى على نمط صراعات الحرب الباردة. وقد مثل موقف موسكو الغامض تشجيعا كبيرا للمتشددين داخل المؤسسة الخمينية. وفي الأسابيع الأخيرة، ومع تقلص سلطة بوتين على ما يبدو، إن لم تكن قد تلاشت، اتخذت موسكو توجها أكثر تشددا إزاء نظام الخميني. وقد أصدر الرئيس ديمتري ميدفيديف، الذي حرر نفسه بشكل واضح من قيود وصاية بوتين التي كانت مفروضة عليه، إشارات على ظهور توجه جديد في موسكو؛ حيث ألغى عقدا لبيع نظام صواريخ «إس 300» للدفاع الجوي إلى طهران، وأنهى برنامجا كانت روسيا تدرب بمقتضاه أفرادا من القوات المسلحة وقوات الأمن الإيرانية. وإذا حكمنا على بياناته العامة، يبدو أن ميدفيديف يتحرك على مقربة من التحليل الفرنسي في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي.

وهذا التحليل يقوم على فرضية أن الطريقة الوحيدة لإجبار طهران على الامتثال لقرارات الأمم المتحدة هي تضييق الخناق وتشديد القيود المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى أن تبدأ عظامها في التصدع. ويدافع ساركوزي عن مبدأ فرض قرارات الأمم المتحدة بشكل حازم - دعونا لا نقول «عدواني» - يشمل عمليات توقيف وتفتيش السفن والطائرات الإيرانية. ويتبنى مستشارو ساركوزي إجراءات «ضغط المقاربة» من أجل زيادة تكلفة التحدي الذي تمارسه طهران. والتحليل الفرنسي، الذي تشترك فيه روسيا بشكل جزئي الآن، يشوبه النقص والعوار بشكل متساو. ولن تتحرك الزمرة التي تسيطر على مقاليد الحكم الآن في طهران بفعل أي شيء لا يهدد بقاء النظام الحاكم.

وهنا تواجه مجموعة «5+1» ما يطلق عليه الإيرانيون «عقلية نساجي السجاد». ومن المعروف أن نسج سجادة مهمة طويلة وشاقة. وقد تستغرق سجادة جيدة ما يصل إلى ثلاث سنوات في نسجها. وقد تبطئ العديد من الأحداث عملية نسج السجادة أو توقفها بشكل مؤقت. ولكن النساج لا يرتدع؛ حيث عاد إلى النول خلال عام 1989 في أول فرصة ممكنة.

وكانت نتيجة الالتباس والخلط في التحليلات داخل مجموعة 5+1 هي المحادثات السنوية التي منحت طهران 5 سنوات إضافية لدفع برنامجها النووي إلى الأمام. ومنذ عامين، كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمتلك 800 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. واليوم تدعي طهران أنها تمتلك أكثر من 12000 جهاز طرد مركزي مع وعود بوصول هذا العدد إلى 50 ألف جهاز بحلول عام 2012، بما في ذلك أجهزة جديدة مصممة بشكل حديث.